د. محمد عبدالله الخازم
كنت أدافع عن فكرة دمج وزارتي التعليم والتعليم العالي تحت مسمى وزارة واحدة هي التعليم، وذلك وفق رؤية أو أمنية أو حلم كنت أراه يتمثّل في منح المناطق التعليمية استقلالية مالية وإدارية وتنفيذية وتوظيفية وكذلك هيكلة نظام الجامعات نحو الاستقلالية والتنظيم الذاتي الأفضل، بل إن حماسي لرؤيتي في إعادة تنظيم سياسات الجامعات ونظمها الاقتصادية والإدارية والأكاديمية، جعلني أدفع بكتابي الذي أسميته «جامعة 2030» شارحاً المحاور التي أراها تشكّل الانطلاق نحو مستقبل أفضل للجامعات السعودية، ومنها هيكلة الجامعة اقتصادياً بحيث تتحول إلى مؤسسات منتجة وتستبدل ميزانيتها بآليات دعم للمنح الدراسية والمشاريع وغيرها وما يصاحب ذلك من تأسيس شركات قابضة ومؤسسات غير ربحية. كما أشرت إلى الهيكلة الإدارية المطلوبة في تحويل وظائف أعضاء هيئة التدريس إلى عقود، وبقية التفاصيل المتعلّقة بحوكمة الجامعات وبناء مجتمعها الداخلي ومسؤوليتها الاجتماعية وغير ذلك. طبعاً؛ لن أتوسع في التفاصيل لأنه متوقّع من قادة التعليم وأساتذته المهتمين بسياسات التعليم الجامعي الاطلاع على ذلك الكتاب وما يصدر في مجالهم، دون انتظار من يسوقه لهم. أقول ذلك من منطلق أن ما يميز القيادي المتعلم هو قراءته واطلاعه بشكل مستنير على الأفكار والمستجدات في مجاله وليس مجرد تسيير الإدارة بالطرق (المكتبجية) المعتادة!
الآن يؤسفني أن أرى أمنياتي لا تتحقق والدمج يتحول إلى مجرد تكديس الموظفين من القطاعين معاً والتغييرات لم تتجاوز تغيير الهياكل التنظيمية وتضخيمها، أهمل قطاع التعليم العالي فلا مشروع استقلالية الجامعات نفذ ولا توجيهاً مركزياً أصبح واضحاً، غابت الجهة التنسيقية والتنظيمية وغابت الشفافية وغاب الحوار حول سياسات التعليم العالي ولم نعد ندري كيف توجه البوصلة!
أعود لمقدمة المقال وطالما الحال هكذا، وإستراتيجية دمج الوزارتين لم تؤت ثمارها، بل أضعفت التعليم العالي وتوهت الذراع البحثي الداعم للجامعات - مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية - فإنني أطالب مثل غيري بإعادة فصل التعليم إلى وزارة التعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي (لتكون مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ومؤسسة التعليم الفني ضمن مكوناته). نريدها وزارة صغيرة تنسق وتشرف وتحفز ولا تتدخل في الشؤون التنفيذية للجامعات، ونريد استقلالية للجامعات وتنافساً قدر الإمكان، نريد إتحاداً للجامعات يناقش سياسات التعليم العالي كمؤسسة مجتمع مدني مستقلة، نريد مجلساً أعلى ومجالس للجامعات تضبط حوكمتها وتعزِّز شفافيتها وتحفز حقوق منسوبيها والمستفيدين من خدماتها...
لقد أعدنا فصل وزارة الصناعة عن الطاقة بعد تجربة عدة سنوات، فما الذي يمنع القيام بذلك مع التعليم أو العمل والشؤون الاجتماعية؟ ليست العبرة بكبر الوزارات ووضع جهات كبيرة تحت مظلة إدارة واحدة بشكل منهك ومشتت للجهود، رغم إدراكنا للحجة التي ترى بأن ذلك الأصل في الماضي أو بأن ذلك سيسهم في تنسيق الجهود وتكاملها. فعملية ضم وزارتين يستغرق سنوات طويلة للوصول لمرحلة الاندماج الكامل، ولأن الدمج لم يسبقه إستراتيجية واضحة للتحول من وزارتين إلى وزارة، فإن ما حدث هو محاولات إدارية انتهت بالعودة نحو قسمة الوزارة إلى قطاعين منفصلين بنائبي وزير لكل قطاع، وهذا ليس دمجاً حقيقياً.