هدى بنت فهد المعجل
بالشك نخطو أولى خطواتنا نحو المعرفة، بينما اليقين التام يشل عقولنا، ويقف بينها وبين التفكير بحرية مطلقة. وقد لا يكون كذلك عندما يصبح الشك واليقين جزءاً من موضوعات « مبحث المعرفة» عند الفلاسفة.
بسبب اختلاف أصحاب مذاهب اليقين عن أصحاب مذاهب الشك. عندما يذهبون إلى أن الشك هو التردد بين المتناقضين بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر، عرّف ذلك الجرجاني في معجمه الفلسفي «التعريفات» وعدّه بعض الفلاسفة حالة نفسية يتردد معها الذهن بين الإثبات والنفي ويتوقف عن الحكم بالتالي اليقين بالشيء. وله أي الشك عدة خصائص «كما يرى الجرجاني» تمثّلت في الأربع التالية:
1 - توقف الشخص الشاك عن إصدار أحكامه سواءً بالقبول أو بالرفض.
2 - قدرة الشخص الشاك على الاختيار والانتقاء بين النقيضين، ولكنه رغم ذلك يرفضهما معاً، وبدون هذه القدرة لا يكون الموقف شكاً، وإنما عجزاً.
3 - إن الشك تعبير عن الحرية الذاتية للفرد، وهذه الخاصية نتيجة حتمية للخاصيتين السابقتين، فما دام الإنسان الشاك يرفض الانحياز إلى أحد النقيضين، وما دامت لديه القدرة على الاختيار والانتقاء بينهما، لكنه رفض كليهما معاً، فالأمر يعني بالضرورة أن مثل هذا الشخص يمارس نوعاً من الحرية الذاتية في أن يحكم أو لا يحكم، وأنه اختار ألا يحكم قطعياً واتخذ موقف الشك بإرادته الحرة دون أي إجبار.
4 - الشك ليس جهلاً، فالشك موقف عقلي واع واتجاه فلسفي يتخذه صاحبه بعد تفكير عميق وتدبر طويل، وبالتالي يجب على الشخص الشاك ألا يقف صامتاً وهو يرفض، وإنما عليه أن يناقش كل الآراء ويفنّدها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى نقيضها ويفنّدها أيضاً.
إذاً ما معنى اليقين..؟
هو الإقرار بصحة موقف معين، والتأكد من صواب الأدلة المدعمة لهذا الموقف دون غيره من المواقف الأخرى، وأهم خاصيتين لليقين:
1 - الانحياز الواضح والصريح لأحد مواقف أو أطراف المشكلة، وترجيحه بالأدلة الكافية عن غيره من المواقف والأطراف الأخرى.
2 - القدرة على الاختيار وعلى إثبات صحة أحد النقيضين والانحياز له دون الآخر لكن بالأدلة المدعمة لهذا الانحياز، وبمختلف البراهين الممكنة، أي أن الموقف اليقين يتسم بالحرية في الاختيار. وهذه الخاصية تعود بنا لمطلع المقال أننا بالشك نخطو أولى خطواتنا نحو المعرفة، اليقين شبه التام يشل عقولنا، ويقف بينها وبين التفكير بحرية مطلقة فهل معنى اليقين هنا بخواصه يبطل ذلك..؟! ماذا عن ديكارت ومنهجه الشكوكي وقد تم تبسيطه بالخطوات الأربع التالية:
1 - عدم القبول إلا بالحقائق التي تيقّنّا من صحتها.
2 - تحليل الحقائق إلى وحدات أصغر.
3 - حل المشكلات الصغيرة أولاً، والانتقال المنظّم من المُبَرهَن إلى المجهول الذي يحتاج إلى برهان.
4 - توليد قائمة بالمشكلات الإضافية.