رمضان جريدي العنزي
الذئب حيوان مثل سائر الحيوانات الأخرى، وهو من فئة الكلبيات، ومن رتبة اللواحم، أطلق الناس عليه عدة أسماء مثل: (نهشل) و(أغبر) و(أجرد) و(الخاطف) و(أطلس) و(ذؤالة) و(الأمعط) و(الأجرد) و(الأسحم) وجعلوا له صفات وخصائص، وأصبغوا عليه ميزات لا تتناسب مطلقًا مع وضعه وعمله وفكره، كالعزة والأنفة والكبرياء، وهذه الأفعال تتنافى تمامًا مع أفعاله وطبائعه، فلا عنده أنفة ولا عزة ولا كبرياء، بوّاق ويأكل الجيف، ويتحين الفرص للغدر والمكر والنهب والعدوان، وعنده شدة بأس، وبراعة بالفتك، وهو عدو لدود للرعاة، يقتل أغنامهم ومواشيهم، وهو متوحش بطبعه حتى لو ربي، واستؤنس منذ صغره، فطبيعته الشرسة، وغريزته تطغى عليه، حكى الأصمعي أنه مر ببعض الأحياء فوجد عجوزًا، وبجانبها شاة مقتولة، وذئب مقطع الأوصال، فسألها عن السبب فقالت: الذئب ربيناه صغيرًا، ولما كبر فعل بالشاة ما ترى، وأنشدته أبياتًا تبين فيها غدر الذئب وظلمه وبوقه، وهي التي ربته وغذته وحافظت عليه منذ صغره، يقال: (أظلم من ذئب) و(من استرعى الذئب فقد ظلم) و(أغدر من ذئب):
إذا كان الطباع طباع ذئب
فلا أدب يفيد ولا أديب
إن الذئب الجائع إذا صادف إنسانًا وحيدًا في مكان منعزل طمع في أكله، فإذا كان الإنسان قويًّا عوى الذئب ليستدعي بعض الذئاب لمساعدته في الفتك بالفريسة، لقد قالوا (أخبث من ذئب) إذا وجد غنمًا فإنه يعيث فيها خرابًا وفسادًا، فيأكل ويجرح ويخطف وينهب، إن علاقة الذئب بالإنسان علاقة معقدة ومشوبة بالحذر والخوف والاحتياط، ومع ذلك فإن الإنسان يغدق على عدوه الذئب صفات وألقابًا وأسماء وخصائص كثيرة، يروي عنه الحكايا والروايات ويتوسع في مدحه وإلصاق صفات ليست في الحقيقة فيه، يضرب فيه الحكم والأمثال، ويسمي الأبناء باسمه، ويحثهم على تقليده والاتصاف بصفاته، والعمل بأعماله، رغم شراسته وخداعه وخبثه، فيقول الأب لابنه ناصحًا وواعظًا ومرشدًا: (خلك ذيب لا يضحكون عليك الرجاجيل)، و(إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب) وإذا فعل الابن ما يخالف الفطرة والعرف والقانون يقول له الأب (أنا أشهد أنك ذيب أمعط)، ولكم أن تتخيلوا كيف يتحول المجتمع من الإيمان بالقيم الفاضلة، والأخلاق النبيلة، والسلوك الحسن، كالاحترام والعفو والتسامح والإيثار، عندما يتم غرس مفاهيم وقيم لا تتناسب الطبيعة الإنسانية المتحضرة، إننا بحاجة إلى أن نربي ونعلم جيلاً من البشر على احترام الآخرين، والتقيد بالنظام والقانون، وحقوق الناس، وتقدير العمل، وحب الإنتاج والابتكار والاختراع التي هي أساس تقدم الأمم وتطورها ورقيها، لا أن نعلمهم صفات الذئب العدوانية الغادرة الماكرة، ونطلب منهم أن يكونوا مثله عملاً وصفة ورمزًا.