علي الخزيم
العنوان أعلاه استعرته من رسم ساخر (كاريكاتير) لأحد رسامي صحيفة الجزيرة نشرته فيما مضى، فقد جعل الرسَّام الجملة كلوحة للمدرسة؛ فيما يبدو تلميذان يقذفان حقيبتيهما للخارج وهما يتسوران السور للهروب من المدرسة! كان الرسم أبلغ من كل الكلام، وهذا سر جمال وبلاغة الرسوم الساخرة، فإن كَثُرَت الكلمات التي توضح المعنى للقارئ فهو عند أهل الاختصاص خلل يقلل من مستوى وجودة الرسم، وقد يعطي دليلاً على أن الرسام أقل مهارة من غيره، واشتهر مبدعون بهذا الفن وهم يرسمون رسومهم بلا حروف ولا كلمات فيكتفون بالرسم الدقيق المُعِّبر عن الفكرة بجاذبية رشيقة ممتعة.
ومع بداية الفصل الدراسي استقبل يومياً عشرات المقاطع والرسائل التي بمجملها تتناول أوضاع التلاميذ لا سيما المبتدئين المستجدين بالابتدائي والروضات والتمهيدي، وتحمل من المواقف والتعابير ما يجلب الضحك من براءة الصغار، ثم إذا تمعَّنت ودقَّقت واستعدت التفكير بكثير مما ورد بالمقاطع تشعر بالأسى للحال التي عليها صغارنا من كره للمدرسة تشبَّعت به عقولهم منذ الولادة مما يسمعون ويشاهدون من أحاديث وتصرفات الأهل والإخوة والتجاذبات بينهم بهذا الشأن، فالوالدان منذ دخول الأطفال قادمين من مدارسهم وهم يحثونهم على المذاكرة وعدم الإهمال ويهددون بالعقاب والحرمان من الألعاب والحلوى والفسحة إن لم يحرزوا نتائج طيبة، مما يسبب المزيد من التوتر والشحن النفسي الذي ينفرهم من المدرسة وكل ما يتعلق بها، والصغار ممن لم يدخلوا المدارس يسمعون هذا السِّجال فتأكد لهم (حسب إدراكهم) أن المدرسة سجن أو مكان للعقاب الشاق، وهذا ما يشاهد ببعض المقاطع من تعابير وتصرفات المستجدين وهم يتوجهون إلى المدرسة.
ما تقدمه المدرسة من حلوى وبالونات ومقرمشات البطاطس صباح اليوم الأول لن يجدي طالما أن أسس المدرسة لم تحقق الأهداف والأغراض المطلوبة منها كمدرسة، فالحلوى والبالون لهما مفعول ساعة وتنتهي، إنما المدرسة بكل مرافقها ومعلميها وإدارتها هي التي ستصاحبهم طيلة العام الدراسي، ولا يمكن أن تطلب من الطفل أن يكون شغوفاً بالمدرسة وأنت تحشره بهذا المبنى غير المكتمل بأسسه التربوية التعليمية، ويفتقد إلى مقومات التشويق والترغيب والإغراء والإقبال على المدرسة كمؤسسة جاذبة ممتعة تمارس التعليم الممزوج بالتربية؛ لا بالتلقين بل بالطرق التربوية الحديثة مع توفر إمكانات مدرسية تُعين على إيصال المعلومة العلمية والتربية لأذهان الصغار، مبنى المدرسة ومرافقها وتكامل أركانها أسس لا غنى عنها للتعليم.
إذا اكتملت المدرسة فهل اكتمل المعلم وهو ركن أساس بالكيان المدرسي؟! المؤشرات المشاهدة وما يتناقله الآباء وأولياء الأمور تقول غير ذلك، ولأُبسِّط المسألة: كيف يكون معلماً وتربوياً من يصرخ بوجه طفل بقوله اجلس يا قبيح المنظر، أو ينهر آخر بعبارات عنصرية تلمز بلون البشرة، أو التدرج القبلي، أو الأصول التي انحدر منها الطفل، والمعلم يعلم أن الطفل لا يملك الاختيار بهذه المسائل، ومن يجهل هذه فلا يرتقي لمستوى المربي الفاضل، ومع كل ذلك أرى أنه من الخطأ تناقل وتبادل مثل تلك المقاطع والرسائل المُنفرة من المدرسة.