د. خيرية السقاف
حين تكتب للناس فأنت بلا ريب تكتب لجميعهم، بينا أنت موقن بأن ليس كل الناس من يقرأك،
وإن فعل كثير، لكنك أيضاً تعلم بأن ليسوا جميعهم من يفهمك، وإن فهموك، فإن المتفقين معك لن يكونوا كل من فهمك،
أما المتفقون فإن كانوا قلة فهم نخبة، والنخبة هم الذين لن يغيبوا عن قطرة مدادك، ولا رسم حرفك، فهم المنتظرون رحلة تأملهم إلى شُعُف مجازاتك، ومعاني دلالاتك، وأبعاد أجنحة أفكارك..
هؤلاء كمتسلقي الجبال، وجذوع الشجر يحطبون معك منافاتها، ويقطعون معك مسافاتها، ويحْدون مع حدائك في عميق دروبها، ويتغنون مع نبضك في سجف نسائمها، ويصهدون مع جهدك في وعور فضاءاتها، ويروِّحون مع وعيك عن أعباء صدقها..
الكاتب حين لا يتسطح فلأنه مدرك بأن سرباً من العارفين سيغوصون في بحره، وجيشاً من الفاهمين سيخوضون أمواجه، وثلة من الأجنحة ستحلّق بآماله، وأن أبواب صدورهم مشرعة لقراطيسه، ورحابة وعيهم مآل لمقاصده، ومستقر في قلبه لجميل معانيه،
وأن هؤلاء هم حُرَّاس آثاره، وأنهم الأمناء على عَرَق محبرته، ومداد قلبه..
الكاتب لا يمتح من تراب، وإنما يعب من شرايين،
ولا ينطق من سراب، وإنما من يؤبجد كل حرف في قاموس تعبيره من منجم روح، وعقل..
وحقيقة، فإن في هذا الهدير على مدى الرؤية للواقع يبقى للكاتب الأصيل سربه النقي، رفيقاً لا يضل الطريق إليه، وشريكاً يمد الرحلة بالأمان..
وقد عمَّ، وغمَّ الهذر، والغوغاء..