د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن أسوأ رؤساء أمريكا، وللمفارقة فإن معظمهم خدموا في واحدة من أحلك فترات التاريخ الأمريكي، أي الفترات التي سبقت وأعقبت فترة حكم أفضل رئيس أمريكي، ابراهام لينكولن، إذ هي الفترة الحرجة، التي كانت تمثّل قمة التناقض في الجمهورية الوليدة، إذ كانت أمريكا تطرح ذاتها كدولة للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي ذات الوقت، كانت معقلاً للرقيق، الذين كانوا يعاملون بمنتهى القسوة، ويعيشون في ظروف غير إنسانية، ولم يستطع هؤلاء الرؤساء التعامل مع الموقف كما ينبغي، بل وجنحوا إلى حلول توفيقية، لم يرض عنها الشمال الصناعي الخالي من الرق، ولا الجنوب الزراعي، معقل تجارة الرقيق.
أحد رؤساء تلك الفترة كان الرئيس فرانكلين بيرز، الذي كان محامياً ناجحاً من ولاية نيوهامشير، ثم انتخب عضواً في مجلس النواب، وبعد سنوات، انتخب لعضوية مجلس الشيوخ، ثم انتخب رئيساً في الانتخابات الرئاسية لعام 1852، ولأنه لا يملك مواصفات الزعيم، الذي يتخذ قرارات كبرى، فقد تجاهل الخطر المحدق، الذي كان يطل برأسه على هذه الجمهورية الوليدة، أي تفاقم أمر الرق، بل إنه انحاز للجنوبيين، الذين كانوا ضد إنهاء الرق، الذي سيؤثّر على اقتصادهم المزدهر، وهذا هو الفرق بينه، وبين الرئيس لينكولن، الذي واجه الموقف بشجاعة، فأصبح حلم كل رئيس أمريكي أن يكون لينكولن آخر، وآخرهم باراك أوباما.
لا يوجد رئيس أمريكي بلا إنجازات، ولكن الإنجاز الحقيقي يحتاج لشجاعة، وهو الأمر الذي افتقده كل من تم تصنيفهم على أنهم الأسوأ، ومنهم الرئيس فرانكلين بيرز، الذي خدم لفترة واحدة، كانت مليئة بالمصاعب والتحديات، علاوة على المشاكل الشخصية، فهو مدمن للكحول، ويعتقد المؤرِّخون أن ذلك أثّر كثيراً على عمله الرئاسي، وهو أيضاً فقد طفله في حادث قطار مؤلم، فأصيب بنكسة نفسية حادة، وأصيبت زوجته باكتئاب حادّ، حتى إنها كانت تغيب عن المناسبات لفترات طويلة، إذ تعتقد أن إهمالها لطفلها كان سبباً في رحيله، والشعور بالذنب قادر على أن يدمر أقوى الناس، وخلاصة القول هي أنه كان بإمكان الرئيس بيرز أن يدخل التاريخ، لو تعامل مع قضية الرقيق بشجاعة، ولكنه آثر أن يترك دخول التاريخ للرئيس لينكولن، الذي جاء بعده بسنوات قليلة فقط.