يوسف بن محمد العتيق
ألف أحمد بن علي بن ثابت الشهير بالخطيب البغدادي (ت 463هـ) موسوعاته الأشهر في البلدانيات أو تواريخ المدن وأسماه (تاريخ بغداد)، وهذا الكتاب يتحدث عن كل من عاش أو سكن أو مر بعاصمة العراق بغداد منذ نشأتها وحتى عصر الخطيب البغدادي القرن الخامس الهجري.
وكتاب الخطيب ليس خاصاً بفئة دون أخرى، بل يذكر كل من ورد بغداد ممن لهم حضور ومعرفة (شهرة) سواء كانوا من العلماء أو الخلفاء أو الوجهاء والأعيان بل وحتى المنحرفين عن جادة الصواب والكذابين وملفقي الروايات والأخبار.... إلخ.
وفي فترة وجيزة وقياسية أصبح هذا الكتاب مصدراً مهماً في التراجم وباباً اشتهر من خلاله فئة من الناس، لكن الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى- (بقصد أو دون قصد، الله أعلم) لم يذكر أحد مؤلفي الكتب في عصره وهو الفقيه الحنبلي وهو أبو علي ابن البنا المتوفى سنة (471 هـ) وهو ممن تنطبق عليه شروط الخطيب (!) فقال ابن البنا هذا جملة أصبحت مثلاً فيما بعد، هذه الكلمة هي (ليت الخطيب ذكرني ولو في الكذابين) يقصد ليت الخطيب تحدث عني في كتابه ولو قال إنني كذاب وغير ثقة، المهم يذكرني (!)، هذا ما قاله ابن البنا، ومثله كثير في عصره وما بعده من العصور حتى يومنا هذا ممن يرغب الشهرة، ولو كان على حساب المبدأ والرسالة التي يحملها المثقف، عموماً المقال لا يتسع للحديث هنا عن الشهرة وما تقدمه وما تسلبه الفرد لكن البعض يرى أن الشهرة سياج اجتماعي يحمي صاحبه ويعطيه صلاحيات ومكانة لا تكون إلا بهذا الطريق، في حين يرى آخرون أن الشهرة تعد وبالاً على صاحبها، ويتوسط آخرون فيرون أن الشهرة وسيلة وليست غاية لخدمة فكرة نبيلة أو إيصال رسالة معينة، والشهرة لها حضور في بعض النصوص الشرعية والمدونات الفقهية لكن جله في سياق الذم إذا كان مرتبطاً بالحديث عن عمل الإنسان وعبادته. والشهرة يتمناها من لا يملكها ويذمها من يملكها، ولا يرغب في ابتعاده عنها، والحديث عن الشهرة طويل لا تستطيع أسطر هذه المقالة سوى إثارة هذه القضية ولعله يكون حديثاً مفصلاً عنها بمشيئة الله.