عام جديد نستقبله وكلنا أمل وتفاؤل بجيلٍ جديد يحمل بين أضلعه حبَّ هذا الوطن برؤية جديدة منفتحة على العالم، لا تعاني الخيفة والتوجس من الآخر ولا الريبة من القادم المجهول. لم يكن هذا اليوم الدراسي للعام الجديد 1441هـ يوماً عادياً كغيره من الأيام على الأقل بالنسبة لي كأمٍ استبشرت خيراً بهذا الوطن الذي يسمعنا كل يوم خبرًا جديدًا وإنجازًا نراه بأعيننا يتحقق على يد قائد ملهم هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وعلى يمينه شابٌ طموحٌ تنطق عيناه بل تكاد تُجزم لنا أن القادم أجمل بكثير مما نراه الآن. والحقيقة أنني كلما صادفت موقفاً جديداً يسعدني أقف لبرهة لأتأكد هل أنا في حلم أو واقع تحيطني فيه كل صور الجمال، وكأنني أتجول بعالمي الذي كنت أحلم به في ممارسة حقي كأم تتابع اليوم الدراسي لطفلها وتدخل مدرسته وتطمئن على وضعه وخصوصاً حين يكون طفلاً مختلفاً مصاب باضطراب توحدي، وتشرق الدنيا في عينيه لرؤية أمه فتكون الوجه الذي يراه في الصباح الباكر وعند عودته من مدرسته لم يكن يمر ببالي ولو لثوانٍ بإنني سأتمكن من الدخول لمدرسة طفلي وخصوصًا عندما حُرِّمت من مرافقته في الأسبوع التمهيدي بالصف الأول الابتدائي وحُرِّمت من مشاهدته في أول مرة في حياته يشارك فيها بإذاعة المدرسة الصباحية بلغته الضعيفة ومخارجه التي لا يكاد يفهمها غيري أنا ووالده وشقيقته ومعلمه الذي اجتهد في تعزير ثقته بنفسه ليقف أمام زملائه في الطابور المدرسي ويقدم مشاركته الإذاعية التي لا تتجاوز سطراً مكث أسبوعًا كاملاً ليتدرب على إلقائها. هذا التحول الذي آراه الآن تحول كان متوقعاً ولكن لم يكن من المتوقع أن يكون بهذه السرعة وهذه السلاسة والمرونة ومن دون معارضات متطرفة. اليوم وكعادتي توجهت لمدرسة طفلي وقت الانصراف وحاولت التواصل مع معلمه هاتفيًا كما هي العادة لإحضار طفلي حيث انتظره بمركبتي التي استمتع الآن بقيادتها دون مضايقات، ولكن المفاجأة التي أدهشتني أنه طُلب مني الدخول إلى المدرسة بنفسي لاستلام طفلي الذي يدرس بالصف الثاني الابتدائي. ترددت قليلاً لأتأكد مما قِيل، فالدهشة كانت كبيرة وعدت لأتأكد «أنا أدخل المدرسة»؟ فقال الموظف نعم بإمكانك الدخول. لم يكن الأمر عاديًا أبداً، بل كان مفاجأة سعيدة لي بأن أدخل المدرسة التي يدرس بها طفلي ومعرفة طبيعة المكان ورؤية أصدقائه الذين يلعب معهم ويشاطرهم جزءًا كبيرًا منومه، لم تكن المفاجأة عادية حتى لطفلي الذي كان في بعض الأحيان يعاتبني لأنني أتأخر عليه في نهاية اليوم الدراسي، وكنت أوضح له أنني لا أتأخر ولكن طريقة التواصل مع إدارة المدرسة أو معلمه لإخباره أنني بالخارج تستغرق مني وقتًا طويلاً. لعلها تكون المرة الأولى التي أشعر فيها أن أوامر المنع التي كانت تشكِّل عائقًا كبيرًا لنتمكن من العيش بطبيعتنا وكأنها لم تكن، ففي لحظات تلاشت تلك الصور المعتمة المشوهة للمجتمع، كل هذه الصور والخيالات تلاشت وانتهت بنظرة طفل بريئة يعانق أمه التي يراها لأول مرة بعد نهاية أول يوم دراسي له يحمله شوقه وفرحه على أجنحة الحب والسلام لأحضان أمه وهي تفاجئه لأول مرة في حياته بدخول مدرسته.
** **
- نورة مروعي