د.عبدالله بن موسى الطاير
وظيفة السياسي أن يحدد العدو، ليتمكن العسكري من قتله بدم بارد وضمير مرتاح، هذه هي فلسفة الحروب في هذا الكون. أنت تقتل أناساً لا تعرفهم، وتعتبر قتلهم بطولة، وأحياناً تقتل ضحايا تعرفهم حق المعرفة، وترى في قتلهم واجباً مقدساً. فكيف يصل البشر إلى هذا المستوى من التوحش؟.
إنها وصفة لتسكيت الضمير الإنساني تسمى «صناعة العدو». قبل أيّ حرب ينشط الساسة في تعريف العدو، وشيئاً فشيئا تُنزّل المفاهيم المجردة على فئة من الناس أو دولة أو مذهب أو دين، ليصبح قتلهم -لاحقاً- مشروعا تتسابق عليه الجيوش.
ولنبدأ من أوروبا حيث ينقل عن كارل شميت قوله بأن نشوء النازية قام على فهم أدولف هتلر للعدو المتمثل في «اليهود، والاشتراكيين - الذين غدروا بألمانيا وطعنوها في الظهر، والديمقراطيات الغربية. وبناء على هذا الفهم للعدو تم صهر الشعب الألماني وتوجيه مشاعره وقواه ضد هذا العدو».
عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م عمل الإعلام الغربي -في معظمه- يسانده مفكرون وإعلام ليبرالي عربي، على تجهيز الإسلام عدوا للقيم والحضارة الغربية، وامتاز بعض الموضوعيين بقصر العدو على الإسلام المتطرف، ودخل على الخط أعداء المملكة من ليبراليين داخلها، وتيارات إسلام سياسي من مختلف المذاهب خارجها وداخلها، وأخرى تتمتع بعداء تقليدي مع الحركة الإصلاحية (الوهابية) فاستعدوا الغربيين على السعودية، وأصبح السعوديون في وضع صعب جداً من 2001 حتى 2006م. أراد بعض الجيران والأشقاء تقديم رأس المملكة قرباناً لغضب الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن المحاولة فشلت.
اليوم نرى صورة أخرى لصناعة العدو في اليمن، وهي في ظني مغامرة غير رشيدة، ففي بلد تتشابك فيه المصالح السياسية مع نفوذ القبيلة والتكتلات المذهبية، والمصالح الخاصة، وجهل العامة، يتعذر تبين العلامات الفاصلة بين مكونات اليمن. فحزب الإصلاح له قاعدة شعبية قبلية لا تؤمن كلها بأفكار جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها تقدّس علاقات الدم والانتساب القبلي، وقديماً قال الشاعر:
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
تأطير مفهوم العدو في اليمن موضوع شائك جداً، فالفكر السلفي المتهم بإنتاج القاعدة وداعش ممتد ومتمكن أيضاً، ويوجد حلفاء سلفيون ضمن الحراك الجنوبي والانتقالي، ولذلك فإن أمريكا حريصة على انتقاء أهدافها الإرهابية بدقة، واصطيادهم بعمليات نوعية دون اللجوء إلى التعميم. فلماذا لا نرشّد حملات صناعة العدو، بتمحيص أكثر، لنستل من كنانة العدو من يقف في وجه التهديد المعرّف دولياً وهو الحوثي والقاعدة وداعش ومن يقف معه، ومن يمكن استقطابه من القائمة الرمادية إلى جانب الشرعية.
تصوير الجيش اليمني، ومن ينادون بوحدة اليمن، ويصطفون مع الشرعية على أنهم إرهابيون، وإخوانيون على الإطلاق ليس سوى وصفة سياسية لتسويق عدو جديد في اليمن، إلى درجة أن الحوثي بات لا يذكر ضمن فسطاط الأعداء إلا لماماً. إذا استمر وصم كل من يتمسك بالشرعية ووحدة اليمن بأنه إرهابي إخواني (عدو) فسوف تتحول المعركة في الجنوب اليمني إلى مواجهة دولية بين اليمنيين بمن فيهم الجيش اليمني والحكومة الشرعية ومن يساندهم، وبين تحالف دولي محتمل و(ممول) لمحاربة الإرهاب في اليمن.
قليل من العقل، وبعض من الروية في تحديد مفهوم العدو في اليمن، سوف يجنب اليمن والمنطقة كوارث قادمة. فكر وخطط جماعة الإخوان المسلمين هدام، وكتبت ذلك في عدة مقالات، ولكن لا يجب أن يكون ذلك مبرراً للإسقاط على كل من يخالف توجهات فئة منشقة أو انفصالية، بل من الأفضل لليمن أن يؤخذ على أيدي صناع العدو الجديد، حتى يتفرغ اليمنيون والتحالف لمواجهة عدو واحد، هو الحوثي المنقلب على الشرعية وفق القرارات الدولية.
الحملة الشعواء لتعميم التعريفات المجتزأة للعدو في الجنوب اليمني، إنما تخدم مصالح ضيقة، تتعارض مع المصالح العامة لليمن وجواره، وبخاصة مصالح المملكة العربية السعودية، ومواصلة الدفع بها سيعني كارثة أمنية مقبلة في اليمن والمنطقة.