عمر إبراهيم الرشيد
من أجمل وأرقى المبادرات والأنشطة تلك التي تربت على أكتاف أفراد مجتمعنا منبهة إياهم.. لغتنا. ما يدعو للإعجاب بهذه المبادرة واحترامها أنها لم تأتِ من صرح أكاديمي أو رسمي، أنما أتت من شباب وفتيات دافعهم احترامهم لأصل الهوية وهي اللغة. ولم تكن المبادرة معقدة أو ذات عناوين نظرية، إنما عمد أفرادها وهم من الجنسين إلى وضع ملصق دائري كتب عليه (تحدث العربية)، هكذا ببساطة ومباشرة ودون تكلّف وتم توزيع الملصق على المحلات التجارية والمقاهي وأماكن التجمعات في المراكز التجارية. وأشد ما لفت نظري في هذه المبادرة حث الجميع على التحدث بلغة عربية واضحة سليمة مع الوافدين غير الناطقين بها، لتعليمهم إياها عوضاً عن تكسيرها، وهو بالفعل ما ينتهجه الغالبية العظمى منا ظناً أنها طريقة أسهل ليفهمونا! وفي هذا الشأن تحديداً، لاحظ العمال غير الناطقين بالعربية المقيمين في المدن الصغيرة أو القرى وكيف يتحدثون لغة عربية أفضل من أقرانهم سكان المدن الكبرى، بل إنهم يتحدثون اللهجة السعودية حسب مكان إقامتهم، فترى أحدهم يتحدث اللهجة الحائلية، وآخر المكاوية، القصيمية والعسيرية أو الحساوية وهكذا، والأمر ينطبق على الإناث من ممرضات وموظفات أو عاملات منازل. والسبب هو مخاطبة من يعرفونهم هناك بلهجاتهم دون تكسير غالباً لذلك فهم يتحدثون مثلهم تماماً. هذه الغيرة الشبابية الجميلة و(الفخمة) تستحق التشجيع والتكريم حقيقة، لأن احترام اللغة من احترام الهوية، وهذه من القوة الناعمة ولن يتقدم مجتمع بشري دون احترام للهوية مهما بنى وشيد، انظروا الى الفرنسيين ورفضهم التحدث مع السياح وغيرهم بغير الفرنسية، ومثلهم الألمان واليابانيون على سبيل المثال. وجميل كذلك ما صرَّح به أعضاء الحملة من التشجيع على ترك اللغة العرجاء أو الهجينة، وهي ما نلحظه لدى الكثير من الشباب من الجنسين، بل وحتى من بعض الكبار، من التحدث بلغة دخلتها العديد من الكلمات الإنجليزية والأجنبية بفعل الثورة الرقمية والعولمة (التجارية). وعبارة قالها أحد رواد المبادرة تكتب بماء الذهب حقاً، وهي أن الزوار والسياح المتوقع بدء توافدهم على المملكة مع الفعاليات الثقافية والرياضية، سوف لن يجدوا التميز الحضاري والاختلاف الثقافي الذي يبحثون عنه، لو تحدثنا معهم بغير لغتنا العربية الفخمة والعظيمة، بعد إفهامهم مضامينها عبر الترجمة بالطبع، خاصة في العناوين واللافتات وخطابات الافتتاحيات،بل والحرص على أن يعود الزوار من معتمرين وسياح وقد تعلّموا من لغتنا عدة كلمات عن طريق التخاطب معنا. تحيّة إكبار لرواد هذه المبادرة الحضارية مع الشد على أيديهم جميعاً، وأتمنى تكريمهم بأرفع الجوائز، ولله درهم!