رمضان جريدي العنزي
الخيانة من علامات النفاق، وهي صفة من صفات المنافقين البارزة، وهي أسوأ ما يبطن الإنسان ويضمر، وهي طريق موصل إلى العار في الدنيا والآخرة، والخائن دائماً يبرر الوسيلة لغاية يريدها، إذا سنحت له فرصة الخيانة لا يضيعها أبداً ولا يفوتها، بل يجري وراءها كسباً للربح والصيد والمغنم، والخيانة عكس الوفاء تماماً، لأن الخيانة صفة بشعة، وعمل رديء، والوفاء حسن، وعمل جميل، وللخيانة صور وأنواع وأشكال مختلفة، متباينة ومتفاوتة، ولها طعنات وآلام وأوجاع وأحزان.. قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}، وقال تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، وقال تعالى أيضاً: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}.. وقال صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان).. أن الخائن محتقر لأنه ناقض للعهود والعقود والمواثيق، ولأنه خالف جادة الحق، وتعاليم الدين، يظهر غير ما يبطن، ويقول غير ما يفعل، مثل الخفاش يحب العتمة، ويكره الضوء، يجيد حبك المؤامرات والعثرات والدسائس، له أكثر من وجه، ويتقن لبس الأقنعة، عنده تناقض وإزدواجية بائنة، يبتسم ابتسامة عريضة، لكن يخفي وراءها أحقاداً دفينة تنتظر قدوم ساعة الانتقام، ومن هنا قال الشاعر:
لا يُغرّنْكَ مظهر مستعارٌ
فكثيرٌ من الأصحاء مرضى
إن للخائن سواد وجه، وسواد قلب، وتقلبات سريعة وتبدلات، ولا عنده ثبات، ولا ينفع مطلقاً، وإن أبدا ذلك وقال وأوضح، مسكون بأبشع العقد الرهيبة، فاللؤم والحقد والخسة والغدر والشر، صفات كامنة في نفسه، لمصلحته يصطف مع العدو، وينخرط في تنفيذ مشروعات إجرامية، ضارباً بعرض الحائط كل العهود والمواثيق التي ارتضاها وقبل بها، لا يبالي بالعار والشنار، كونه مفلس أخلاقياً وإنسانياً بالكامل، وهو من أسوأ المنحدرين إلى سفوح النذالة والسفالة، وأسوأ المنزلقين إلى ميادين الغش والزيف والخداع، ينطبق عليه قول أحدهم:
وكنتُ فتىً من جند إبليس فارتقى
بي الحالُ حتى صار إبليسُ من جُنْدي
إن الأعمال المزرية التي يمارسها الخائن، الناكص على عقبيه، تعد مسرحية عبثية هزلية، لا يقرها عقل ولا دين ولا أخلاق ولا تقاليد ولا أعراف، لأنها مركبة من كذب وكيد واستغلال بشع، وأساليب متلونة، إن الاحتياط والحذر من أصحاب الخيانات والغدر واجب، لأنها سبيل النجاة، ولأن الحبة معهم قد تصبح قبة، في سياق الأعمال الخداعية والكيدية التي يمارسونها ويعملون بها.. إن التجارب دلت على أن الساعين للإيقاع بالآخرين، يرتد كيدهم إلى نحورهم، وتنسحب عليهم في نهاية المطاف كل المردودات السلبية التي أرادوا إيقاعها بالآخرين.. ففي ذلك عظة وعبرة لكل متعظ ومعتبر. وليعلم أهل الخيانة والكيد والحقد والبغض والحسد، ومشعلي الحرائق، وموقظي الفتن، بأنه لا ينتظرهم سوى الهزيمة البشعة، وسواد الوجه، والخسران الواضح المبين.