د. محمد عبدالله الخازم
يحلم الآباء والأمهات بمستقبل تعليمي جيد لأبنائهم، والتعليم يعد القلق الأكبر لهم، لأنه مفتاح المستقبل ولأجله يسافر البعض ويهاجرون متحملين قسوة الغربة ومشقة الانتقال. الدولة لدينا تؤكد مجانية التعليم العام والجامعي، وتمنح الفرص للبعض للحصول على فرص دراسية بالخارج عبر أنظمة الابتعاث المختلفة، لكن السؤال عن المستقبل وكيف نؤسس ما هو أكثر اطمئناناً للآباء في ظل التقلبات الاقتصادية والتغيرات الإدارية؟ في ظل رؤية مستقبلية نرجو أن يكون أحد أهدافها تطوير أنظمة اقتصادية مستقلة للجامعات السعودية وكفاءة أعلى لبرامج الابتعاث تنطلق من كفاءة الاقتصاد الوطني الذي يعمل وفق خطط مستقبلية على مستوى الدولة والعائلة والأفراد؟
بعد الاستهلال أعلاه، اقترح تأسيس نظام أو صندوق الأجيال التعليمي، وفكرته بشكل مبسط هو أن أتمكن كأب من ادخار مبالغ للمستقبل لتعليم أبنائي أو أحفادي بعد عشر أو ست عشرة سنة، وأطمح أن تدعمني الدولة بكرمها في هذا المشروع الادخاري. على سبيل المثال: هل يمكنني ادخار ألف ريال شهرياً من دخلي لمستقبل تعليم أبنائي عبر بعثة دراسية محلية أو خارجية، وفق اختيارهم ورغبتهم؟ بمعنى آخر لو ادخرت ألف ريال شهرياً على مدى خمسة عشر عاماً سيصل المبلغ 180 ألف ريال، هل يمكن للدولة أو الصندوق أو الحساب الادخاري المساهمة بمبلغ إضافي لدعم تعليم ابني الجامعي في أي مكان في العالم؟ أو لكي أضمن جزءًًا من تكاليف دراسته كضمان دفع رسومه الدراسية؟
أنظمة الإدخار ليست جديدة وهي موجودة في مجالات عدة وفي كل دول العالم، بما فيها المملكة حيث تعد أنظمة التقاعد نوعًا من أنواع الادخار. قد يكون صندوق أجيال التعليمي عن طريق المؤسسات المالية الخاصة بعد أن تضع الدولة التشريعات والضمانات اللازمة لذلك، وقد يكون عن طريق مؤسسات قائمة مثل التأمينات الاجتماعية أو بتأسيس صندوق حكومي لهذا الغرض..
طبعاً مثل هذا النظام/ الصندوق سيكون له تنمية أمواله، ويمكنه المساهمة في تقديم قروض تعليمية للطلاب ممن ليس لديهم القدرة لدفع الرسوم الدراسية أو ليس لديهم نظام ادخار كاف لتغطية تكاليف دراستهم، على أن تسدد تلك القروض بشكل ميسر بعد تخرج الطالب و التحاقه بالعمل. أيضاً مثل هذه القروض تعد شائعة في كثير من الدول، ولن يكون من الصعوبة الاستفادة من خبراتها.
عبر هذا التنظيم ستكون مسؤولية الفرد وأسرته المشاركة في تحمل المسؤولية تجاه تعليمه ومستقبله، سنخفف العبء المباشر على الدولة في مجال الابتعاث والتعليم الجامعي المحلي، سنؤسس لثقافة الادخار والتخطيط للمستقبل، سنؤسس مؤسسة أو صندوق وطني يسهم في عجلة الاقتصاد. والأهم من ذلك سنضمن رفع كفاءة واستمرارية برامج الابتعاث والتعليم الجامعي المحلي، وبالذات هناك هدر ملحوظ في هذا الجانب لأسباب لها علاقة بالآليات الاقتصادية الراهنة للتعليم.
بقي الإشارة إلى أن الدولة لن تتخلى عن واجباتها في تعليم أبنائها وبناتها بتأسيس مثل هذا النظام/ الصندوق، وإنما سيكون محسناً لآلياتها في هذا الشأن وسيشكل رافداً وذراعاً لما تقدمه من دعم للأجيال وفق فكر اقتصادي مستقبلي.