سلطان بن محمد المالك
في عام 1935م أجرى طالب ماجستير في جامعة أمريكية دراسة؛ إذ أجرى استفتاء لخريجي الجامعة في تلك السنة، وكان السؤال الذي وجَّهه إليهم: هل لك أهداف محددة مكتوبة؟ وكانت النتيجة أن 3 % فقط من الخريجين وضعوا لهم أهدافًا محددة ومكتوبة عما يريدون القيام به في حياتهم. وبعد عشرين عامًا، أي في عام 1973م، رجع إليهم صاحب البحث؛ ليستطلع أحوالهم، فوجد أن الـ 3 % حققوا نجاحًا في وظائفهم وأعمالهم أكثر مما حققه الـ97 % الآخرون مجتمعين. هذه النسبة المخيفة لا تنطبق فقط على طلبة تلك الجامعة، إنما - للأسف - هي النسبة المتحققة على مستوى البشر؛ إذ يرى العلماء من خلال دراسات عديدة أن نسبة الذين يخططون لحياتهم لا تصل إلى 3 % من مجموع الناس كلهم، وأن هذه النسبة القليلة هي التي تقود المجتمعات في مجالات الحياة المختلفة.
لماذا أغلب الناس لا يحددون أهدافهم في الحياة؟ الجواب أن هناك قيودًا عديدة، تتحكم بنا، وتمنعنا من تحديد وجهتنا في الحياة. ومن أبرز هذه القيود: أولاً: الخوف من الفشل؛ إذ يفضل معظم الناس أن يعيشوا بدون أهداف واضحة خشية الوقوع في الإحساس بالألم من جراء الفشل في تحقيق هذه الأهداف؛ ومن ثم ينبغي على المؤمن أن يثق بربه، ويحدد أهدافه، ويستمد العون والتوفيق من الله تعالى. والقيد الثاني: احتقار الذات؛ فكثير من الناس يحتقر نفسه، ويقلل من قدراته وإمكاناته إلى الحد الذي يصيبه بالإحباط والعجز، ومن ثم يشعر بأن النجاح والتميز قد خُلقا لأجل الآخرين من القادة والعظماء، وليس له هو؛ لأنه لا يستحقه؛ ولذلك فهو يقبل ويرضى بكل شيء، وينتظر ما تأتي له به الأيام، في سلبية واستسلام دون أن يصنع لنفسه أهدافًا عظيمة، يسعى لتحقيقها. القيد الثالث: تعطيل النصف الأيمن من المخ؛ إذ إن النصف الأيمن من المخ يختلف في وظائفه عن النصف الأيسر، مع أنهما متشابهان تماما من الناحية التشريحية. فالنصف الأيسر من الدماغ هو المسؤول عن وعي الإنسان وخبرته باللغة، والمنطق والرياضيات والعلوم والكتابة. أما النصف الأيمن فهو النصف اللاواعي، الذي يكمن فيه الخيال والتصور والإبداع، والمقدرة على التخيل الفراغي. ورغم أن كل إنسان يمتلك القدرة على استخدام هذين النصفين معًا إلا أن معظم الناس يستخدمون أحدهما دون الآخر؛ فإن الأكثرية يطغى عليهم استخدام النصف الأيسر من المخ؛ فيجد الواحد منا نفسه مشغولاً بالتفاصيل الصغيرة. أما القيد الرابع والأخير فهو الجهل، ويُقصَد به الجهل بكيفية تحديد الإنسان أهدافه في الحياة. فبعض الناس قد يكون لديهم الرغبة والحماس لتحديد أهدافهم، ولكنهم لا يعرفون الكيفية الصحيحة التي يتمكنون من خلالها من أن يقوموا بوضع أهداف لحياتهم.
أختم بالقول إن سبب تعثر الكثير منا، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات والشركات، هو الحماس في البداية، والانطلاق في العمل بدون أهداف ورؤية محددة.