د.شريف بن محمد الأتربي
منذ بُويع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- ملكاً للمملكة العربية السعودية وبدأ مسيرة بناء الدولة السعودية الحديثة التي يتعدّد فيها مصادر الدخل ويرتقي ما يقدّم فيها من خدمات للمواطنين إلى مستوى كبريات الدول. وقد استعان على ذلك -حفظه الله- بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- مذ ذلك ونحن نعيش حالة فريدة كمواطنين سعوديين هي الشغف بالأوامر الملكية التي يصدرها الديوان الملكي ولم يكن هذا الشغف محلياً فقط، ولكن امتد أثره إلى كافة أنحاء الوطن العربي، بل والعالم كله.
لقد أرسى قادتنا -حفظهم الله- آلية جديدة في إصدار مثل هذه الأوامر التي يتحرَّى المواطن وقتها كأنه ينتظر سماع نتيجة اختباره أو قرار توظيفه، فهذه الآلية لم تعد تدار كما كانت تدار سابقاً بشكل روتيني يظهر على صفحات الجرائد بعد اجتماع مجلس الوزراء، بل إن توقيت إصدارها نفسه قد تغيَّر مما أضفى على مثل هذه الأوامر نكهة تميزها عن غيرها من الأوامر السابقة، فبمجرد ظهور إشارة: أوامر ملكية بعد قليل تجد الجميع يتجه صوب وسيلته الإعلامية سواء عن طريق القنوات المتلفزة أو المواقع الإلكترونية الرسمية أو حتى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وما هي إلا دقائق معدودة من إصدار آخر الأوامر إلا وتبدأ الحوارات والنقاشات حول هذه الأوامر وأسبابها ومَن هم المعنيون بها ويبدأ البحث عن السير الذاتية لهؤلاء الأشخاص، بل إن بعضهم ربما تحول إلى ترند على وسائل التواصل أو أكثر الأسماء بحثاً على محركات البحث.
إن الأوامر الملكية لم تعد تخص أفرادها وعائلتهم فقط، بل أصبحت تستحوذ على تفكير غالبية أفراد المجتمع كبيرهم وصغيرهم، نساءهم ورجالهم، فهي أوامر هم واثقون كل الثقة أنها صدرت لتلبي لهم متطلباً من متطلبات الحياة الكريمة واللائقة بالمملكة ووضعها الإقليمي والعالمي.
والمتفحص في الأوامر التي صدرت منذ بيعة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- يجد أنها تؤكّد على ضرورة التغيير ومواكبة التقدّم في كافة الوزارات والمؤسسات والهيئات التي عنتها هذه الأوامر، ولم يعد اختيار المسؤولين مبنياً على الثقة فقط ولا على وضع اجتماعي معيّن ولكنها أرست مبدأ توسيد الأمر لأهله؛ فكل الأوامر التي صدرت هدفت إلى ردم الفجوة بين الواقع والمأمول في هذه الهيئات، وربما كان تغيير مسؤول ما سريعاً جداً ولم يمض على تعيينه سوى شهور عدة ولكن اللجان المشكلة برعاية سمو ولي العهد لقياس أداء الهيئات وجدت أن الأداء في هذه الهيئة لن يحقق هدفه طبقاً لرؤية 2030 وبالتالي كان لا بد من التغيير والتغيير السريع وعدم الإصرار على المسؤول في منصبه بداعي أنه حديث عهد بالمنصب ولكنه لم يتمكّن من التناغم معه.
لقد أصبحت جميع الوظائف في الدولة متاحة لأبناء الدولة ولم تعد قاصرة على شخصيات بعينها، بل إن كل مواطن على أرض هذه البلاد يطمح أن يصل إلى المناصب بعلمه وعمله وليس بطريق آخر.
إن إنشاء أو إعادة وزارة الصناعة للمشهد مرة أخرى بعد أن كانت ضمن إحدى الوزارات الأخرى هو خير دليل وأصدق برهان على المضي قدماً في مشروع المملكة ورؤيتها في التنوّع في مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر دخل رئيسي فقط، بل أصبحت كل الوزارات تساهم في رفع مدخول المملكة وتساهم في ميزانيتها.
لقد كانت كلمات سمو ولي العهد في أحد المؤتمرات حين قال -حفظه الله-: لا أريد أن أفارق الحياة قبل أن أرى الشرق الأوسط متقدماً عالمياً. لقد كانت هذه الكلمات وقوداً لجميع دول الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي أصبحت تقفز قفزات سريعة ومتتالية يصعب على أي دولة أخرى أن تحققها تدعمها الأوامر الملكية من القيادة الواعية التي تلبي احتياجات العمل بأشخاص يستحقون أن يكونوا على رأس هذا العمل.