د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن أسوأ رؤساء الامبراطورية الأمريكية، حسب معيار آراء المؤرخين، ومعيار الاستطلاعات الشعبية، والحديث اليوم سيكون عن الرئيس، وارين هاردنق، وهو سياسي محترف من ولاية أوهايو، عاش معظم حياته في الريف، وقد تم انتخابه عضوًا في مجلس شيوخ الولاية، قبل أن ينتخب نائبًا لحاكم هذه الولاية المهمة، ثم انتخب عضوًا في مجلس الشيوخ الفيدرالي، ثم فاز بالرئاسة في انتخابات عام 1920، ولكنه لم يهنأ بها طويلاً، فقد توفي بعد سنتين وخمسة أشهر، ومن الغرائب حول هذا الرئيس أنه كان رئيسًا جيدًا، ليس من ضمن الأفضل، ولكن ليس ضمن الأسوأ أيضًا، لولا أنه ارتكب خطأ جسيمًا، عندما رشح بعض أصدقائه لمناصب مهمة، مثل ما فعل الرئيس ترمب في بداية تسنمه للرئاسة، عندما اختار ستيف بانون والجنرال مايكل فلين وغيرهما، عطفًا على العلاقة الشخصية التي تربطه بهما، ومساعدتهما له خلال الانتخابات، دون النظر لتاريخهم العملي وكفاءتهم، إذ إن الرئيس هاردنق اختار وزيري الداخلية والعدل حسب معيار ترمب الآنف الذكر، ودفع ثمن ذلك غاليًا.
كان للرئيس هاردنق إنجازات جيدة داخليًا، شملت بعض القرارات الاقتصادية، مثل خفض الضرائب، ورفع الضرر عن المزارعين، وهي إصلاحات كانت ضرورية، وكانت أمريكا في أمسّ الحاجة لها، فيما بعد فترة الحرب العالمية الأولى، كما أنه أطلق سراح سجناء الحرب، كما كانت سياساته الخارجية جيدة أيضًا، وإن شابها بعض الاخفاقات، ولكن سمعته ساءت بعد وفاته، ولعل هذا هو السبب الرئيس لتصنيفه ضمن الأسوأ، فقد اتضح - بعد وفاة الرئيس - أن وزير الداخلية، البرت فول، ووزير العدل، هاري دورتي، كانا يمارسان فسادًا كبيرًا، فوزير الداخلية تم اتهامه بقبول رشوة كبيرة، ما جعله في صفوف الأثرياء، وقد تمت محاكمته، وأدين ودخل السجن، وليس من المعلوم عما إن كان الرئيس يعلم عن ذلك الفساد أو كان مشاركًا فيه، ولكن المؤكد هو أن المؤرخين والشعب الأمريكي لا تهمهم هذه التفاصيل، فالرئيس هو من اختارهم لإدارته، والمرء من جليسه كما تقول الأمثال.
لم تكن قضايا فساد بعض أركان إدارة الرئيس هاردنق هي الفضيحة الوحيدة، التي تبينت بعد وفاته، فقد تبين أيضا أن له علاقات غير شرعية، أنجب من إحداها ابنة، ويؤكد المؤرخون أن الطب الشرعي أثبت ذلك مؤخرًا، ولنتذكر أن مثل هذا الأمر كان شيئًا كبيرًا في المجتمع الأمريكي في ذلك الزمن البعيد، وخلاصة الأمر هي أن هذا الرئيس لم يكن سيئًا، ولكن خياراته الشخصية والعملية كانت سببًا في تصنيفه ضمن أسوأ الرؤساء.