حمّاد السالمي
* وأنت في وطنك؛ قد لا تشعر بعظمة وطنك. هكذا رحت أحدث نفسي وأنا أغادر عيادة طبيب عربي في قُطر عربي شقيق آخر أيام الحج للعام الفارط 1440هـ. جلست إليه طويلًا حيث راح يستعرض أمامي على شاشة جهاز كمبيوتر؛ منشورات رقمية تعرض إحصاءات ومواقف وطرائف من مكة المكرمة والمشاعر المقدسة لها صلة بالحج والحجاج. كان يتحدث والدموع تملأ عينيه، فهو يتذكر هذه الأمكنة والبعض من هذه المواقف التي لا تحدث إلا في المشاعر المقدسة وعلى أراضي المملكة العربية السعودية. بدأ معي كلامه عن صحافي جزائري حاج؛ فقد حقيبته الشخصية، وبها كل وثائقه الرسمية وأمواله وهاتفه النقال وجواز سفره، حيث عادت له حقيبته في أقل من 48 ساعة..! الحاج الجزائري (ياسر العرابي)؛ هو رئيس تحرير قناة النهار الجزائرية، وهو الذي قال في مقطع فيديو نشره حساب التواصل الحكومي عبر (تويتر): أنه أبلغ مركز العمليات الأمنية الموحد (911) بفقدانه الحقيبة، مشيرًا إلى أنه بعد 48 ساعة؛ عادت إليه الحقيبة. ثم قال: (عندما تفقد شيئًا وسط 3 ملايين حاج ويعود إليك، فاعلم أنك بالمملكة العربية السعودية..! مضيفًا: أن المملكة تقوم بمجهودات كبيرة في تأمين الحجاج ورعايتهم).
* الطبيب العربي صاحب خبرة طويلة، ويبدو أنه متابع جيد لما يبث وينشر عن معظم الأقطار العربية. وجدته يحتفظ بنسخة مصورة؛ تعرض لحج هذا العام بالأرقام، وبين كل حالة وحالة؛ يعرج على الدعايات الإعلامية المضللة التي تستخدم الحج للانتقاص من الخدمات التي تقدمها المملكة العربية السعودية للحجاج والمعتمرين، ويربط كل هذا بما شاهده ووقف عليه بنفسه في العام الذي أدى فيه فريضة الحج والعمرة، مستغربًا هذا العداء السافر من منابر عربية محسوبة على دول عربية وغير عربية. ودّعته بحرارة وأنا أقول له: لا تستغرب يا عزيزي، لا يُرمى بالحجارة إلا الشجر المثمر، وشاعرنا العربي (المتنبي) قال قبل اليوم:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل
* إن أفضل رد على المشككين والمتقصدين الإساءة لدولتنا حكومة وشعبًا؛ هو العمل. العمل وحده هو الجواب الذي أظهرته الإحصاءات والأرقام التي صدرت عن الجهات المختصة بُعيد حج هذا العام، فهذه كلها هي النصف الملآن من الكأس، الذي لا يرى أعداء المملكة العربية السعودية من عرب وعجم إلا النصف الفارغ منه.
* يكفينا فخرًا؛ أننا نجحنا في إدارة حشد هائل بلغ تعداده (2.489.406) حاجًا من كافة أقطار الأرض، في مساحة لا تتعدى بضع كيلو مترات، وأن أكثر من (350) ألفًا من كافة الجهات الخدمية؛ بالإضافة إلى 35 ألف متطوع ومتطوعة، بينهم 120 ألف رجل أمن، و200 ألف من مختلف القطاعات، و30 ألف ممارس صحي. هذا الحشد البشري الهائل كان في خدمة ضيوف الرحمن، وأن الخيرية السعودية في مكة المكرمة وحدها؛ وزعت على الحجاج في أيام حجهم أكثر من (26 مليون وجبة). كأن لكل ثلاثة حجاج في المشاعر المقدسة؛ سعودي قائم على خدمتهم ليل نهار.
* ويكفينا فخرًا؛ أننا نجحنا في نقل (2.489.406) حجاج من عرفات إلى مزدلفة خلال ست ساعات..! منهم (360.000) حاج عبر قطار المشاعر، و(100.000) حاج استخدموا طرق المشاة، والباقي تم نقلهم عبر (20.000 حافلة).
* ويكفينا فخرًا كذلك؛ أننا قدمنا خدمات طبية وعلاجية لأكثر من (نصف مليون حاج)، وحجّجنا 400 حاج) من المنومين بواسطة القافلة الصحية الطبية. وأن (173 مستشفًى ومركزًا صحيًا وعيادة متنقلة)؛ عملت خلال حج هذا العام، فبلغت طاقتها السريرية (5000 سرير)، وتم إجراء (336 عملية قلب مفتوح وقسطرة)، و(2700 عملية مختلفة).
* إلى جانب لغة الأرقام البليغة، والتي عكست بشكل واضح حجم المجهودات الضخمة لدولتنا المنصورة بإذن الله، رسم 120 ألف رجل أمن شاركوا في خدمة ضيوف الرحمن بمشاعرهم ومواقفهم الإنسانية؛ صوراً حضارية تناقلها العالم، هذه المواقف وهذه الصور؛ كان فيها الرد الشافي والكافي على ادعاءات نظام الحمدين في قطر، وإسكات أبواق الصفويين من إيران والإخوان وحزب اللات والحوثة وحماس.
* هذه صورة واحدة فقط؛ تشكل صفعة.. بل صفعات للمدعين والمغرضين. صورة لجندي سعودي يحمل حاجاً مسنًا على أكتافه، أو يحاول رسم البسمة على وجه طفلة، أو يرش رذاذ الماء لتخفيف حرارة الجو عن ضيوف الرحمن، أو قُبلة يطبعها حاج على جباه الجنود الساهرين على خدمتهم.
* الحقيقة.. وأنت خارج وطنك في موسم الحج، لتشعر بالفخر عندما تتابع ما تنقله عدسات المصورين ومقاطع الفيديو، التي كانت تترى من المشاعر المقدسة لمئات وآلاف الحجاج الصادقين مع أنفسهم، والتي لم تفوّت حالة إنسانية ارتسمت فيها معاني الحب والرحمة المتبادلة بين الحجيج وقوات الأمن، فخرجت بصورٍ تنطق من دون كلام، لجنود يحملون كبار السن على ظهورهم لمساعدتهم على أداء المناسك، وآخرون يداعبون الأطفال لرسم البسمة والبهجة على محياهم. من هذه الصور البالغة التأثير؛ ما ظهر عن جنود المملكة وهم ينتشرون في كل الأرجاء، يخففون من حرارة طقس المشاعر المقدسة برش رذاذ الماء على ضيوف الرحمن، ومساعدة كبار السن على إتمام شعائرهم دون تعب، وإرشاد التائهين إلى وجهاتهم. مشاعر إنسانية قابلها ضيوف الرحمن بقبلات طبعوها على جباه الجنود الساهرين على خدمتهم.
* إنها أجواء فريدة، كلها مودة ورحمة تتكرركل عام. هذا كله لن تجده إلا في دولة عظمى هي (المملكة العربية السعودية).