الدبلوماسي البريطاني تشارلز كراوفورد المتخصص في فن كتابة خطابات القادة، والتفاوض، يقول «إن العمل الدبلوماسي يتطلب مهارات فريدة، تعتمد على المعرفة والانتباه للتفاصيل وضرورة الابتعاد عن التخمين»، وحين سأله أحد الصحفيين وقال له: إنك تملك مسيرة مهنية دبلوماسية ممتدة في الخارجية البريطانية، فما أهم الدروس المستفادة؟
فقال: «بالنسبة لي، أهم قاعدة دبلوماسية هي الدقة، لا تفترض ولا تعتمد على التخمين مطلقاً، فإما أنك تعرف أو أنك تُخمِّن، وإذا كنت تُخمن فقدتَ السيطرة». وصحفي للكيان الإسرائيلي مشاكس للإعلام العربي دائماً قبل فترة انتقد عبر حسابه في تويتر أحد دبلوماسيي الدول العربية حين قال «إنكم تكتبون تقاريركم الدبلوماسية معتمدين على الجرائد والصحف».
فكيف للدبلوماسي أن يتعرف على واقعه وعلى ما يدور من حوله، إذا خلق من ذاته عوازل يضعها بينه وبين الناس وحواجز لا يمكن الاقتراب منها، يظن بأن مفهوم الحصانة الدبلوماسية هي عدم الاحتكاك بالآخرين أو الاختلاط بهم.
فالدبلوماسي الفطن والذكي هو من يخلق بينه وبين أي مجتمع يعيش في أوساطه ألفةً ومودةً وجسورًا من التواصل أساسها الاحترام المتبادل، ينقل لهم الجديد في بلده ويطلعهم على أهم التطورات في مختلف جوانب الحياة، يؤكد لهم مواقف دولته في الساحة الدولية دون الاعتراض على مواقفهم، يزود صانع القرار بمعلومات تلامس الواقع وليست معلومات ساحات التواصل الاجتماعي وقصصات الصحف والجرائد. فصانع القرار لا يريد منك أن تخمن أو تظن، يريد منك المعلومة المؤكدة التي قد يبني عليها قراراً سياسياً، فكيف يكون ذلك في حال أنك كنت تعيش بمعزل صنعته من حولك وبيدك؟.
فكما أن التعرف على المجتمع والولوج فيه مطلب رئيس ومهم، إلا أن له حدوداً لا يمكن تجاوزها، والتي من أهمها عدم التدخل في الشؤون الداخليه للبلد المضيف أو المشاركة في تجمعات يعتبرها النظام السياسي للبلد المضيف تأليباً للشارع ضده.
فبين المطلوب وعدم تجاوز الحدود، هنا تقع ساحة الملعب الأساسية للدبلوماسي الفطن الذي يجيد فن التحاور واللعب في أكثر من مركز.
فالدبلوماسي الفطن وفي ظل الثورة المعلوماتية وانفتاح العالم على بعضه، هو من يملك القدرة على جمع المعلومات من مصادر مختلفة ومن ثم تحليلها وإبداء رأيه، يفاوض حين يكون هناك مكان للتفاوض ويصمت حين يكون صمته مطلوبًا، يتحدث حين يكون لحديثه قيمة ومعنى، يملك القدرة على التوفيق بين المصالح المتعارضة ووجهات النظر المتباينة، يسهم في حل المشكلات وتسوية الخلافات، وإشاعة الود والتفاهم بين الدول. فبهذه النوعية من الدبلوماسيين تستطيع كل دولة أن توطد مركزها وتعزز نفوذها في مواجهة الدول الأخرى، أضف إلى ذلك -والتي هي بالمقام الأول- رعاية مصالح بلده والاهتمام بمواطنيها.
ففي مقر أكاديمية الإمارات الدبلوماسية كانت هناك محاضرة لمعالي وزير الدولة للشؤون الخارجية الأستاذ عادل الجبير، ذكر فيها: «أن أهم شيء بالنسبة للدبلوماسي أن يكون جادًا ومطلعًا ويقوم بتحديث المعلومات بشكل مستمر كما يجب أن يكون مرنًا ولديه بُعد نظر».