د. حمزة السالم
تصبح العملة دولية متى ما استخدمت في تبادلات السلع الدولية كالنفط والقمح والأرز، ونحوه. فاستخدامها في السلع الدولية، سيجعل منها عملة احتياط في البنوك المركزية كما سيجعل منها عملة من عملات أسواق المشتقات، أي أنها ستدخل في كثير من الأوراق المالية.
ولكن كيف تدوَّل العملة؟ وهل يصب هذا في صالح اقتصادها أم لا، وجواب التساؤل الثاني يحتاج لوقفة كاملة، لا محل لها هنا، ولكن يكفي الإشارة أن اليابان في السبعينات نظرت في فكرة تدويل الين، ولم تر أنه سيصب في صالح الاقتصاد الياباني، فعزفت عن الفكرة. (والين عملة دولية، ولكن إلى حد ما، والقصد كان العمل على أن يحتل الين مكانًا يزاحم فيه الدولار، كما كان هذا القصد هو أحد أهداف اليورو الاقتصادية).
ولكي نفهم المسألة، فلنتصور أنه قد طرح أمامنا فكرة تدويل الريال، عن طريق بيع النفط السعودي بالريال، وذلك لتحقيق المصلحة الاقتصادية من توفير مصدر تمويلي أجنبي للبلاد يفوق قيمة البترول المُنتج.
وباختزال شديد، فإنه يجب تحقيق متطلبات سابقة، قبل تطبيق تنظيرات بيع النفط السعودي. أولاً: وجود عملة قابلة للتعويم. والريال السعودي غير قابل للتعويم، لأنه ليس عليه طلب أجنبي، ويأتي التفصيل في هذا لاحقًا.
ثانيًا: لو تحقق الأول، فيجب إثبات المقدرة الفنية لمؤسسة النقد السعودي على إدارة عملة معومة، ويكون ذلك بتطبيق تعويم الريال لفترة كافية سابقة.
ثالثًا: كما يتطلب توفر اقتصاد سعودي عميق يفوق حجمه حجم النفط بمراحل كافية لامتصاص عوائد النفط وامتصاص تقلباته السعرية.
رابعًا: كما يتطلب وجود نظام بنكي متقدم وسوق مالية متطورة.
وأما المتطلبات التي يجب أن تتحقق تزامنًا مع تطبيق التجربة فهي:
أولاً: وجود حاجة تمويلية للحكومة السعودية.
ثانيًا: استمرارية أهمية الإستراتيجية العالمية للنفط السعودي.
ثالثًا: استمرارية نمو الإنتاج النفطي السعودي ونمو الطلب الدولي على النفط السعودي.
رابعًا: يتطلب عدم تعرض النفط لتقلبات سعرية حادة، تؤدي لتكثيف كر وفر المضاربين في هجمات متكررة على السوق النقدية والمالية السعودية، والتي سيصعب التحكم بها آنذاك، إذا ما صار الريال معومًا ودوليًا، بسبب استخدامه لشراء النفط.
خامسًا: إضافة إلى أنه يتطلب توفر نمو متواصل متزايد في تنوع الاقتصاد السعودي بعيدًا عن النفط. فلن يثق العالم باقتصاد يعتمد على سلعة ناضبة واحدة؛ ليجعل من سنداته احتياطيات له بعوائد منخفضة، حتى ولو كانت احتياطيات للتحوط من أجل استيراد النفط السعودي.
وأما المتطلبات المستقبلية: فيجب أن يتحقق حلول الريال السعودي في محل مُجْد اقتصاديًا بين العملات الدولية. ولا يتحقق هذا إلا بوجود صادرات سعودية متنوعة لسلع غير قياسية. فالنفط سلعة دولية: 1. كونها متجانسة 2. وتنتجها بلاد عدة 3. ويحتاجها العالم كله.
والسلع الدولية تحتكرها عملة تبادلية واحدة احتكارًا طبيعيًا، وهي التي تكون الأعمق اقتصاديًا والأوثق عالميًا. وهذا الاحتكار الطبيعي في حد ذاته، لوحده كافٍ لإحباط تجربة بيع النفط بالريال السعودي، وبالتالي فكرة تدويل الريال. وحتى لو تحققت جميع المتطلبات السابقة والمصاحبة والمستقبلية لبيع النفط بالريال – والتي هي مستحيلة اليوم. وحتى لو تحقق متطلب تنوع الصادرات السعودية للسلع غير القياسية بالريال، فإن احتكارية الدولار الطبيعية للسلع الدولية ستُحول عمليات الطلب على الريال لشراء النفط، إلى مجرد عمليات صرف بين الدولار والريال مع قليل من المضاربات، التي تضر الريال والاقتصاد السعودي ولا تنفعه.