فهد بن جليد
كل واسطة خبيثة تحرم شخصاً كفؤاً من حقه الطبيعي في الحصول على وظيفة أو ترقية..، وتمنحه لآخر (لا يستحق) الحصول على ذلك بدلاً منه، أو تجاوز النظام والإعفاء من الشروط و العقوبات..إلخ، تمارس اليوم في مجتمعنا -مع الأسف- تحت مظلَّة حسَّنة، وتغلَّف باسم (الشفاعة الحميدة) التي يفترض أنَّها لا تعطل مصلحة، ولا تضر بالآخرين، أو تخالف الأنظمة والقوانين، فلا أحد سيأتي رافعاً شعار (الواسطة الصريح)، وهنا يكمن الخطر والتغرير الذي يجب الحذر منه، النيابة العامة دخلت معركة جادة للقضاء على الواسطة واجتثاثها من المجتمع، بالتحذير تدريجياً والتنبيه من صورها (كالرجاء، والتوصية، والوساطة) باعتبارها إخلالاً بواجبات الوظيفة يهدر النزاهة، ويخلُّ بمبدأ العدالة والمساواة، ومن أوجه الفساد الموجبة للمساءلة القانونية، قد يبدو الطريق طويلاً وشاقاً للتخلص من هذه الظواهر السلوكية التي تفشَّت في المجتمعات النامية باعتبارها جزءًا من العلاقات الإنسانية والأسرية، عندما يدَّعي أصحاب الواسطة أنَّهم يعملون من أجل حصول الشخص المعني على حقه المشروع في الوظيفة أو المنفعة أو المصلحة، فالتبريرات جاهزة -دون النظر- إلى المصلحة العامة وضرورة احترام حق الغير.
القانون وهيبته وإعلان العقوبات والتلويح بها، والتذكير بملاحقة كل من يتورَّط في مثل هذا السلوك، سيحد حتماً من الظاهر متى ما طبق بشكل صارم، يوازي ذلك ضرورة وجود برامج مجتمعية للفصل بين هذه التصرفات المشينة، والأخلاق والصفات الحميدة، عندما ينظر إلى الواسطة بأنَّها (فزعة ونخوة) وترتبط بالمدح والثناء والمكانة الاجتماعية لمن يقدم خدمات من هذا النوع، وهي تكبر مع الشخص وتنمو معه في مختلف مراحله العمرية يتمرَّس عليها ويمارسها، لذا يجب مواجهة هذا الخطر ورفضه مُنذ البداية بالدين والتعليم والثقافة والتربية.
هناك خيط رفيع بين الشفاعة الحسنة والواسطة الخبيثة، يستغله أصحاب الواسطة دائماً ليمارسوا العزف عليه بكل احتراف، لا أعرف هل نملك القدرة على اكتشافه حتى لا نقع في المحظور، أم أنَّ علينا الابتعاد عن قبول الشفاعة أو طلبها (كمسألة نسبية) تبعاً لقربها أو بعدها عن الخطوط الحمراء والمحظورة، لا سيما مع تفشي العبارات المحبطة التي يروِّجها هؤلاء بأنَّ المجتمع يمارس الواسطة بمختلف شرائحه بمسميات ومبررات مختلفة، ويسعى وينادي في ذات الوقت لمُعاقبة مرتكبيها.
وعلى دروب الخير نلتقي.