د عبدالله بن أحمد الفيفي
1 - النص الرقمي/ النص الإلكتروني التفاعلي (سؤال المصطلح والموضوع):
نقصد بـ(الأدب الإلِكتروني التفاعلي) ما يُعرَف بـ(النص المترابط Hypertext)، تحديدًا، لا ما دُوِّن من الأدب إلِكترونيًّا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. فهذا الأخير لا يعدو نصًّا أدبيًّا دُوِّن بالتقنية الحديثة، أو نُقِل إلى هذه التقنية، ولا فرق بينه وبين النصِّ التقليدي، مخطوطًا أو مطبوعًا، إلَّا في الوسيط بين الكاتب والمتلقِّي، من الورقة إلى الشاشة.
ولطبيعة النصِّ الإلِكتروني التفاعلي، أَستبدلُ كلمة «إلِكتروني» بـ»رقمي»، في تسمية هذا النوع من النصوص، لأسمِّيها: «النصوص الإلِكترونيَّة التفاعليَّة»، بدل «النصوص الرقميَّة». ذلك لأن التعامل في هذا النصِّ - إنشاءً وتلقِّيًا - هو مع التقنية الإلِكترونيَّة. فكلمة «إلِكترونيَّة» ضروريَّة لإشارتها إلى التقنية الوسيطة، التي من دونها لا قيام لهذا النص. ونحن نستعمل: «الصحيفة الإلِكترونيَّة»، و»الموقع الإلِكتروني»، و»النشر الإلِكتروني»... إلخ. فأَولَى أن يُسمَّى هذا النصُّ: «النصُّ الإلِكتروني التفاعلي». ثمَّ إن مصطلح «رقمي» مصطلح مُلْبِس، ومشوِّش على مفردة مستقرَّة قديمة مستعملة، تتعلَّق بالرَّقم، بمعنى الكتابة من جهة، وبالأرقام، بمعنى الأعداد من جهة أخرى. وهناك ما يُسمَّى حديثًا «العَروض الرقميَّة»، مثلًا، وتتعلَّق بوضع معادلات رقميَّة لوزن الشِّعر بدلَ الأسباب والأوتاد والتفعيلات. على أن مفهوم (النص المترابط أو المتشعِّب Hypertext)، الذي استعملَه للمرَّة الأُولى الفيلسوف وعالم الحاسوب الأميركي (ثيودور نيلسون Theodor Holm Nelson)، 1965، قد تخطَّاه الزمن، فضلًا عن أن «الترابط» هو شرطٌ مشتركٌ بالضرورة - بمعنى أو بآخر- مع مختلف أضرب الكتابات والنصوص؛ فلا قيمة نوعيَّة تحملها دلالة الكلمة هنا عن «النصِّ الإلكتروني التفاعلي». كما أن مفهوم (النصِّ الإنترنتِّي Cyber text)، الذي كان أوَّلَ من استعمله الباحث النرويجي (آرسيت Espen J Aarseth)، لم يعد يدلُّ على خصوصيَّة «النصِّ الإلِكتروني التفاعلي»؛ بما أن النصوص اليوم أضحت في معظمها إنترنتيَّة، بشكل أو بآخر. يضاف إلى هذا أن ما يُنشَر من هذا النوع هو في الأصل إنتاجٌ ورقيٌّ، أو هو قابل بشكل أو بآخر لأن يكون إنتاجًا ورقيًّا، وله سوابق، قبل وجود الإنترنت، بطرائق مختلفة للكتابة والتوزيع والدمج والإرفاق النصوصي أو التشكيلي، مثلما في فنِّ (التشجير الشِّعري) الذي عُرف في التراث العَرَبي خلال القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي، أو بالشِّعر الهندسي، المختلَف في تأريخ ظهوره.(1) ومن هنا فأنا أرى أن مصطلح «النص الرقمي»، أو «النص المترابط»، أو «النص المتشعِّب»، أو «النص الإنترنتِّي»، كلَّها مصطلحات إمَّا غير دقيقة الدلالة، أو قد عفا عليها الزمن، ولم تعد صالحة للاستعمال، إذا توخينا الدقَّة في ما نعنيه الآن. على أني لا أرى أن صفة «الإلِترونيَّة» تُغني بحال عن صفة «التفاعليَّة Interactive»، إذا أريد لتسمية هذا الشكل الكتابي أن تدلَّ على طبيعته. وتبدو كلمة «تفاعليَّة» أنسب، وأشمل، وأعمق من غيرها في إشاريَّتها إلى علاقات النصِّ الداخلية وعلاقاته الخارجيَّة: بنائيَّة، وفي فضاء التلقِّي. لهذا كلِّه، سبق أن اقترحتُ- منذ 2008، في بحث نشرته في («مجلَّة آداب المستنصريَّة»، العدد السابع والأربعين، كليَّة الآداب، الجامعة المستنصريَّة، بالعراق)- مصطلح: «النصّ الإلِكترونيِّ التفاعليِّ» مصطلحًا عَرَبيًّا للإشارة إلى هذا النوع من النصوص.
2 - في الشِّعر:
كانت لي مقاربة في قصيدة إلِكترونية تفاعليَّة للشاعر العراقي (مشتاق عبَّاس معن)، عنوانها «تباريح رقميَّة لسيرةٍ بعضها أزرق»، نُشِرت على موقع «النخلة والجيران» الإلِكتروني، 2007.
وتكمن الصعوبة في التعاطي نقديًّا مع القصيدة الإلِكترونيَّة التفاعليَّة في كيفيَّة وصفها، وتحليلها، ومن ثَمَّ إيصال القراءة النقديَّة إلى المتلقِّي، بما أن هذه القصيدة معتمدة على التقنية. لأجل هذا فنحن بحاجة إلى (قراءة نقديَّة إلِكترونيَّة تفاعليَّة)، تضاهي طبيعة القصيدة الإلِكترونيَّة التفاعليَّة، وإلَّا كانت القراءة تقليديَّة لنصٍّ غير تقليديٍّ ولا مألوف، ولا مهيَّأ لمعظم القرَّاء، وسيتعذَّر على القارئ متابعة ما نقدِّم إليه، إلَّا في نطاقٍ نخبويٍّ ضيِّق. ذلك ما شعرتُ به في مواجهة أعمال الشاعر مشتاق. ولعلَّ ما يجابهه المطَّلع- ولا أقول القارئ؛ لأن العمليَّة في تلقِّي القصيدة الإلِكترونيَّة التفاعليَّة لم تَعُد قراءة نصٍّ فقط، بل هي تفاعل مع ضروبٍ فنِّيَّة مختلفة، من: نصٍّ، وصورة، وموسيقى، فضلًا عن الأيقونات، والروابط التصفُّحيَّة، واللوحات الإلِكترونيَّة- هو ذلك الشتات بين: (متن)، و(حاشية)، و(هامش)، و(تفرُّعات أخرى)، و(أشرطةٍ تمرُّ عجلى). ومع أن القارئ يفتقد في تفاعله مع القصيدة الإلِكترونيَّة التفاعليَّة التجسُّدَ الواحديَّ للنصِّ، فإن ما يعايشه من شتات في تفرعات النصِّ له جماليَّاته وجذبه، كجمال شجرة غنَّاء، ذات فروع، وأغصان، وزهور، وثمار، وأطيار.
وأحيل المهتم إلى تفاصيل تلك المقاربة المذكورة، ورقيًّا في المجلَّة المذكورة أعلاه، وإلِكترونيًّا في عدد من المواقع الإلكترونية، تحت عنوان «نحو نقدٍ إلِكتروني تفاعلي».
... ... ...
(*) هذا الجزء الأوَّل من ورقة بحثٍ قدَّمتها ضمن البرنامج الثقافي لسوق عكاظ 13، بمدينة الطائف، مساء الخميس 21/ 12/ 1440هـ = 22/ 8/ 2019م.
(1) انظر: أمين، بكري شيخ، (1979)، مطالعات في الشِّعر المملوكي والعثماني، (بيروت: دار الآفاق الجديدة)، 181، 209.