د. عبدالحق عزوزي
استعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام سفراء بلاده خلال اجتماعهم السنوي بقصر الإليزيه مؤخرًا، الخطوط العريضة لسياسة فرنسا الدبلوماسية. هذا الاجتماع الذي يرسم خريطة فرنسا الخارجية ويكشف عن التوجه العام للمنطقة تمحور حول مواجهة التحديات العالمية والمسؤوليات الفرنسية والأوروبية والدولية، ويأتي غداة اختتام قمة مجموعة السبع التي احتضنتها فرنسا؛ ولعل من أهم النقاط التي تحدث عنها هي العلاقات الأوروبية الروسية التي عرفت جموداً في السنوات الأخيرة وقال بالحرف: «إن دفع روسيا بعيدا عن أوروبا يعد خطأ إستراتيجياً عميقاً، لأنه يدفعها إما إلى العزلة التي تزيد من التوترات أو للتحالف مع قوى أخرى مثل الصين. نحتاج إلى بناء ثقة وأمن جديدين في أوروبا، لن تكون القارة مستقرة وآمنة أبداً إذا لم نحسن علاقتنا مع روسيا». ففهمت فرنسا وأوروبا أنه يجب أن ترجع العلاقات إلى سابق وضعها ومن المهم أن تنضم روسيا مجدداً يوماً لمجموعة السبع بعدما أقصيت منها في سنة 2014 إثر سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم الأوكرانية.. وأظن أن تغير وجهة النظر الفرنسية والأوروبية هاته مرده إلى تخوف استمرار وتداعيات التوتر العقيم مع روسيا، إذ ستبقى الصراعات في كل أنحاء أوروبا، وستبقى أوروبا مسرحاً لمعركة إستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا، وبالتالي ستظل أوروبا تتلقى تداعيات الحرب الباردة على أرضها.
وقبل هذا الاجتماع السنوي، أنهى الرئيسان الأمريكي والفرنسي، المؤتمر الصحفي على هامش قمة المجموعة السبعة بالعناق مرتين. كما أن الرئيس الأمريكي خلافاً لما كان وقع في السابق لم يغادر الاجتماع قبل انتهائه ولم يعارض البيان الختامي وهو ما كان يتخوف منه العديد من الخبراء. كما كان قد كتب الرئيس ترامب على تويتر حيث له نحو 60 مليون متابع «خرجت للتو من غداء مع الرئيس الفرنسي».. مضيفًا: «الكثير من الأمور الجيدة تحصل لبلدينا. نهاية أسبوع مهمة مع قادة آخرين من العالم».
وللذكر فإن مجموعة السبع التي التأمت مؤخراً في مدينة بياريتس، جنوب غرب فرنسا، هي مجموعة غير رسمية للدول العظمى تم إنشاؤها في سنة 1975، وكانت الدواعي لذلك اقتصادية قبل أن تتناول مواضيع كالسلام والبيئة والإرهاب. واشتهرت هاته المجموعة في السنوات الأخيرة مع وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض؛ ونتذكر أنه في اجتماع سنة 2018 في كندا رفض الرئيس الأمريكي توقيع البيان الختامي للقمة برغم موافقته عليها.
وعقد أول اجتماع لمجموعة السبع في رامبويه بفرنسا في سنة 1975 بعد أول أزمة نفطية عالمية. وشاركت ست دول (فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة) في أول «مجموعة الست» التي انضمت إليها كندا في سنة 1976 ضمن «مجموعة السبع». وتبنت قمة وليامسبرغ (في الولايات المتحدة الأمريكية) في سنة 1983 لأول مرة إعلاناً حول الأمن في أوروبا.
ومع تفكك الاتحاد السوفياتي تغير النظام العالمي وطبيعة المجموعة لتحل روسيا ضيفا على المجموعة سنة 1992 ولتشارك اعتباراً من سنة 1998 في قمم المجموعة التي أصبحت مجموعة الثماني.. غير أنه في سنة 2014 تم تعليق عضوية روسيا من مجموعة الثماني بعد ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية وفرض عقوبات على موسكو. وألغيت قمة مجموعة الثماني التي كانت مقررة في تلك السنة في روسيا.
وللرجوع إلى قمة بياريتس، فإننا نلاحظ أنه كان هناك تقارب في وجهات النظر بين قادة مجموعة السبع في ختام قمتهم.. فبالنسبة للعلاقات التجارية مع الصين مثلاً فقد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه «لا خيار» أمام بكين سوى الرضوخ للضغوط الأمريكية في الحرب التجارية في وقت تسعى واشنطن إلى إرغام بكين على القيام بإصلاحات عميقة في اقتصادها. وبالنسبة للضرائب حول عمالقة الإنترنت، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه توصل إلى «اتفاق جيد جداً» مع الولايات المتحدة حول الضرائب على عمالقة الإنترنت (غافا)، وقال إن دول مجموعة السبع اتفقت على «التوصل إلى اتفاق عام 2020 في إطار منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية» في هذا المجال.
وفي الختام رغم أن مجموعة السبع تبقى مجموعة غير رسمية، فإن مثل هذا الاجتماع يعد البارومتر الذي يعطي لك درجة حرارة النظام العالمي والمكان الذي يجب أن تتموقع فيه الدول بذكاء لتخرج بأقل الخسائر وبأقل التكلفة.