أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: هي الأمة التي قال عنها ربنا سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة آل عمران/110]؛ وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته البررة الكرام رضي الله عنهم؛ وكلما ابتلعتني أشياء من فنون اللهو سواء أكانت من اللمم، أم كانت من التجاوز: أدركتني رحمة ربي من التاريخ المتجدد لأفضل الأمم؛ وتلك الأشياء محسوبة من (سرياليتي اللاهية)؛ وقد تقصيت معنى السريالية التي أعنيها في جزء كبير سيرى النور قريبا إن شاء الله تعالى.. إنني أعيش مع تاريخ متجدد يزكي الروح، ويمنح الطمأنينة، ومحاسبة النفس، والاقتداء بأهل القدوة في الدين، وسأذكر بين الفينة والفينة من هذا الجمال المعتق من السريالية اللاهية؛ فمن ذلك صلاة (سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه وأرضاه بجماعة المصلين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم؛ فقد تطهر سعد رضي الله عنه بالتيمم بالتراب بعد جنابة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصليت بالناس وأنت جنب؟)؛ فأجاب بما معناه: يا رسول الله: هذا قدر استطاعتي؛ فإني وجدت قول الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [سورة البقرة/ 195]؛ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه الشريفة؛ فمن سروري بضحكة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن إعجابي باستنباط سعد رضي الله عنه: تمنيت أنني طرف في ذلك المشهد؛ لأن هذا أول عنصر سريالي من أمنية دافعها المحبة على مبدأ قول (السهروردي):
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
قال أبو عبدالرحمن: إنني أسمع، أو أقرأ وأنا سريالي موقفًا للصديق أبي بكر رضي الله عنه كدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إياه؛ ليحكم بينه وبين زوجته عائشة رضي الله عنهما في خلاف نشب بينهما؛ فقال صلى الله عليه وسلم: إن شئت تكلمت، وإن شئت فتكلمي أنت؛ فقالت رضي الله عنها: بل تكلم أنت، ولا تقل إلا حقا؛ فغضب أبو بكر رضي الله عنه، وشجها حتى أدمى وجهها الكريم، وقال: أويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم غير الحق يا عدوة نفسها؟؛ فلاذت برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت تخاصمه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جئنا بك يا أبا بكر لهذا.. وصالحها؛ فاختلط عندي بكاء ونشوة ومحبة وإعجاب بالأطراف؛ فتمنيت لو كانت عائشة رضي الله عنها بنتي، وأني صاحب ذلك الموقف؛ فهذا عنصر سريالي آخر، ولكنه محال للفارق الزمني.. ومر بي مشهد آخر حينما دخل أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في جدال مع عائشة رضي الله عنها تقول: إنما تذكر كثيرًا عمر بن الخطاب ولا تذكر أبي رضي الله عنهم جميعًا؛ فأقبل إليها أبو بكر مغضبًا يريد ضربها وهو في إقباله يتمتم بكلمة تعيير؛ لضعف فصيلتها من بني تيم؛ فحال بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما خرج أبو بكر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها مسترضيا لها: ألا ترين أنني خلصتك من الرجل؟!.. وموقف ثالث إذ دخل فيه أبو بكر على بنته عائشة رضي الله عنهما، ووجه عائشة إلى خلال تطل منها على الأحباش وهم يزفون، ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجدار؛ فقال أبو بكر رضي الله عنه في غضب شديد: مزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؛ فقال صلى الله عليه وسلم: دعها، أو دعهم فإنهم في يوم عيد.. وموقف رابع إذ فقدت عائشة رضي الله عنها خاتمها في سفر؛ فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه للبحث عن الخاتم في الإسفار؛ فجاء الصديق رضي الله عنه يرتعش من الغضب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم على فخذ عائشة؛ فكان الصديق (رضي الله عنهم جميعا، ووهب إساءتي لإحسانهم؛ لمحبتي لهم) ينخس شاكلتيها بسبابته، ووبخ عائشة باللوم بمثل: أتحبسين رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل خاتمك؟!؛ فكانت عائشة رضي الله عنها تتصبر على الألم، ولا تتحرك تخشى أن يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وموقف خامس في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: (مرواأبا بكر فليصل بالناس)، وتكريره ذلك، وغضبه لما تعلل بعض الصحابة بأن أبا بكر رجل أسيف.. أي بكاء من خشية الله تحشرج التلاوة في صدره.. إلى آخر القصة عندما قال الصديق: ما كان لابن أبي قحافة أن يؤم بحضور رسول الله، أو يؤم برسول الله؛ وكل ذلك من الذاكرة رضي الله عنه وعن أبي قحافة؟!.. وموقف سادس عندما أيقظ الناس وقد ذهلوا بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فقد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوابه وهو يخطب ويتوعد من قال: (إن محمدا مات)؛ فأراد أبو بكر من عمر أن يسكت، وقال له: (أيها الحالف على رسلك)؛ فأبى عمر السكوت؛ فقام أبو بكر رضي الله عنهما، وخطب، وانصرف الناس إليه، وارتجل خطبته الكريمة التي ذكر فيها الناس، واستدل بقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران/ 144]؛ وموقف سادس، وسابع.. إلخ.. إلخ؛ وإلى لقاء مع هذه السريالية الكريمة أتخولها بعد شهرين، أو ثلاثة.. إلخ؛ فإلى لقاء مع مسائل أخرى في السبت القادم إن شاء الله تعالى، والله المستعان.