ميسون أبو بكر
يا الله كم أكره رائحة الأكسجين الذي ينبعث من الأنابيب الحديدية التي تذكرني بأنابيب الغاز، الأكسجين هو رائحة الموت بالنسبة لي رغم أنه جرعات تعطى للحياة، كل شيء من حولي أبيض، شراشف الأسرة.. الستائر.. طلاء الجدران، ثياب الممرضات اللاتي لا تجدن الوقت لممارسة شعور إنساني عاطفي كنظرات حنان أو تفاعل مع وضعي، أظن لكثر الحالات التي تمر بهن وربما أكثر خطرا من حالتي ولإنهماكهن بأعمالهن، يا الله كم أكره صوت خطوات الأطباء والممرضات والمسعفين السريعة في غرف العناية المركزة والطوارئ، وصراخ أقرباء المريض وارتباك خطوهم، أتساءل هل هذه أنا أم أنني فارقت الحياة وهي روحي تتفقد مكاني الأخير، يخيفني أن أفارق عالمي، مسكين زوجي، أولادي، أمي.. آه يا أمي هل ستفجعين برحيل أخرى غير خالتي، شقيقتها الوحيدة والتي غادرت الحياة بسبب الخبيث! هل ستفقد بكرها أيضا (أنا)!!
آخر ما أتذكره مركبة صاحبها متهور لم يعط أي إشارات لتجاوزه إلى المسار الأيمن، كنت أرقبه قبلها، كان يقود بين السيارات في تهور مزهو أنه يتعداها وكأن الشارع ملعبه الصغير، وكأن الطريق ملك لتهوره ولأن الأمام لم يكن كافيا لدخول مركبته فقد أحدث ارتباكا كبيرا في الشارع وحدث تصادم كبير بين مجموعة من السيارات أحدها مركبتي.
ليصل قبلنا بدقائق معدودة.. ولاستهتاره فاضت أرواح كثيرة إلى بارئها في هذا الحادث، حرم أهلها وجودها في الحياة، وأحدث أضرارا جسيمة وعاهات في أرواح أخرى، وخسائر في المركبات والشارع.
كنت ذهبت لأحضر حاجات المنزل، وأوصلت قبلها زوجي إلى طبيبه لأن سائقه في مهمة أخرى، ومررت بجمعية خيرية لأنني متطوعة معها في سبيل نشاط إعلامي يعرف بجهودها ويؤكد على أهمية شراكة القطاع الخاص في الأعمال الخيرية، فهل أنا ميتة وسأغيب عما تعودت أن أؤديه في حياتي؟ عرين.. ابنتي التي لم أرها قرابة العامين هل ستحرم مني كل العمر؟ من سيرافقها في حفل زفافها؟ من سيخبرها أنها العروس الأجمل؟ ولدي الذي تعودت أن أذهب معه في جلساته العلاجية ضد مرض السرطان والذي طال أمده من سيكون إلى جانبه ليمنحه الإيجابية والأمل؟ ويراجع الطبيب ويجد مخرجا لأي أزمة قد تواجهه؟!
كل هذه الأسئلة دارت في ذهني وأنا أحاول أن أتذكر ماذا حدث وأتحسس إن كنت ميتة أو مازلت على قيد الحياة!
كم كنت فرحت أنني ومثيلاتي من النساء حين منحنا الفرصة لنقود مركبتنا كما قدنا طويلا دفة الحياة، آه كم صارت الحياة أكثر سهولة، لكن هل القيادة بمثابة المغامرة في ظل استهتار البعض أو جهله بقواعد المرور وفن القيادة والذوق العام؟!!
كيف لمستهتر أن يأتي بلحظة طيش ويهدم قصص حياة كانت لتكون؟
كيف له أن يحرم أسرة من معيلها وأبيها أو من أم هي الشيء الكبير؟ أو وافد له الكثير من السنوات لم يعد لوطنه ولم يره أبناؤه منذ سنوات! فبدل أن يعودا محملا بالهدايا وثمرة شقاء عمره عاد محمولا على كفن!
استفقت وأنا أصرخ توقف؟ لا تتجاوز، كفى استهتارا! سأقدم بك شكوى للمرور، أدركت أنه كابوس ربما كان ترجمة لما كنت أفكر به طيلة اليوم، فاستهتار البعض وجهل السائق الأجنبي بالقيادة والنظام ثم عدم صبر البعض الآخر في الانتظار وتجاوز البعض وتحدي البعض الآخر جعل أمر القيادة مغامرة وليس متعة كما هو في الغرب، الذي تضيق شوارعه وتتسع قلوب سائقيه، الذين يمنحون بعضهم الوقت لو تعثرت مركبته أو تأخر في المضي قدما، ولو كان الوضع لدينا لوجدت عشرات (البوريات) والصراخ ولزاد الوضع سوء ارتباك السائق.
يلزمنا إعادة تأهيل للسائقين ربما بدورات تدريبية يلتحق بها الراغبون ويلزم السائق المنزلي، ومدارس قيادة لا تتهاون في إعطاء الرخص، وتشديد الغرامات ونظام النقاط وسحب الرخص، وتقديم الشكوى بأي مخالف كي يدرك كل سائق أنه تحت رقابة من حوله.
تحية للمرور السعودي الذي يبذل الكثير لأجل حفظ الأرواح وتقليل الحوادث ولولا جهوده الحثيثة لكانت النتائج مختلفة والخسائر أكثر فداحة.