زكية إبراهيم الحجي
الكاريكاتير هذا الفن الجميل الذي يتيح للذهن تتبُّع مسار النكتة مع الرسم يجعلنا أمام الحاجة إلى معرفة ماهية هذا الفن الساخر الذي يلعب دورًا مباشرًا أو غير مباشر.. إيجابًا أو سلبًا في إبراز القضايا والأحداث والمواقف المختلفة التي تدور حولنا من خلال رسومات هزلية ساخرة مثيرة للضحك إلا أنها بالغة التأثير في توجيه الرأي العام نظرًا لتوظيفه في مجالات متعددة، كالنقد الاجتماعي والتوعية الوطنية ورفض السلبيات.. وهو تعبير عن بعض المفارقات في حياة البشر بنص مختصر جدًّا، أو بدون تعليق نصي. وهو مرصد هزلي لمختلف المشاكل والتناقضات بأنواعها في جميع المجالات؛ فليس الهدف من ذلك إثارة الضحك فقط.. بل ليكون مرآة أمام أعيننا؛ لنبصر أنفسنا جيدًا في مواقف وأوضاع قد لا نرضى عنها.
الكاريكاتير شأنه شأن أي مادة إعلامية، ولكن بمواصفات ومميزات معينة، قد لا تتوافر في المواد الإعلامية الأخرى؛ كونه أحد المواضيع التي يقبل عليها القارئ، ويتفاعل معها بسرعة أكبر في التلقي قياسًا بجميع المواضيع التي تنشر في صفحات الصحف والمجلات بشكل عام. وبالرغم مما كان سائدًا سابقًا، وعلى مدى فترات متعاقبة، بأن هدف الكاريكاتير التسلية والضحك، إلا أن هذا المفهوم تبلور في العقود الأخيرة إلى الغاية الحقيقية والنهائية، وهي الإصلاح والتقويم ورفض السلبيات.. وأنه سلاح لكشف الفساد من خلال النقد عبر الصورة. وهذا ما يطلق عليه بـ»الفاكهة السوداء»؛ إذ غالبًا ما يلتقط مفارقته من واقع مآسي الناس ومعاناتهم في أي مجتمع من المجتمعات.
قوة فن الكاريكاتير تكمن في قدرته على السخرية والنقد اللاذع مع ترك مساحة للخيال دون قصد مباشر؛ فالصورة الكاريكاتيرية رسالة إعلامية لها سحر خاص، ولغة أعمق من لغة الكلمة المكتوبة، ووصف للواقع والأحداث بريشة جريئة؛ وهو ما يجعلها تتسلل إلى العقول والنفوس، وتعكس ما يدور في خلجات الصدور.
ولأن فن الكاريكاتير يعد من مكونات الصحيفة العربية، ومع التقدم التكنولوجي، أصبح من أساسيات المنابر الإعلامية على اختلاف أنواعها؛ لذا تجدر الإشارة إلى بعض رواد فن الكاريكاتير في عالمنا العربي. فمن أبرز وأول الرسامين السعوديين في الثمانينيات الماضية المبدع علي الخرجي -رحمه الله-؛ فقد كان ناقدًا ساخرًا، فرض أسلوبه اللاذع في فترة زمنية، لم يكن فيها المجتمع السعودي متقبلاً لجرأة النقد الهزلي، ومع ذلك ترك بصمة مميزة في عالم الكاريكاتير، لم يعِها المجتمع إلا فيما بعد. كذلك نجد عبد السلام الهليل الذي يعتبر من أبرز رسامي الكاريكاتير في فترة التسعينيات، ويملك ريشة جريئة في النقد والسخرية، لكنها معبرة عن مشاكل المجتمع. أما على المستوى العربي فيعد الفنان الفلسطيني ناجي العلي - وهو صاحب الشخصية التي اخترعها «حنظلة» - من بين أقدم رسامي الكاريكاتير في العالم العربي، وله نشاط سياسي، وقام بنشر العديد من رسومات الكاريكاتير المعادية لإسرائيل؛ إذ تظهر شخصية «حنظلة» على هيئة طفل مكتوف الأيدي. ويُقال إن الموساد الإسرائيلي هو من قتل ناجي العلي.
الرسم الكاريكاتيري وإن كان ساخرًا ولاذعًا إلا أنه يعبّر عن ظاهرة اجتماعية أو قضية اقتصادية أو حدث سياسي يشغل الرأي العام؛ لما يتميز به من عمق التأثير. فن الكاريكاتير مفارقات بصرية، تعبِّر عن جوهر القضايا المختلفة بجرأة الريشة.