د. خالد عبدالله الخميس
لعلي قبل أن أبدأ بذكر القيطون الصغير والكبير أن أذكر بمقالة سابقة نشرت لي تشير لمعنى القيطون، ولعلي هنا أن أُوجز ما ذكرت؛ يحكى أن شخصاً يدعى قيطون كان يعمل حارساً لخزينة الدولة في العصر العباسي، فإذا سرق من الخزينة شيئاً، مشى في الأسواق وهو يسبّح ويهلل محاولاً التظاهر بطهارة النفس وورعها.
ومن هنا خرج مثل يقول: «إذا سبّح القيطون فقد همّ بسرقة، فلا تأمن القيطون حين يسبّح». وتحور اسم قيطون ليطلق على الثعلب لكونه يسرق الدجاج والطيور بشكل محتال ومخادع.
والقياطين بهذا هم من يستحلون السرقة من أموال الدولة ويغطون على سرقاتهم بالتسبيح وبناء المساجد والمقابر.
وهذا العمل المتناقض يعكس ظاهرة نفسية تسمى في علم النفس بميكانزم الدفاع عن الذات، إذ يغطي المرء على صفاته السيئة بصفات حسنة كي يعطي لنفسه شعوراً بالطهارة والسواء.
على العموم؛ لا تحتر كثيراً عندما ترى شخصاً يسلك سلوكيات متناقضة كونه مسيرًا من خلال ميكانزمات الدفاع عن النفس، فمن الطبيعي أن تجد أحدهم ينفق أمواله على المشاريع الخيرية وفي ذات الوقت يستبيح لنفسه جريمة السرقة، وتجد آخر يتمظهر بالتدين وفي ذات الوقت يعامل الناس بالغش والكذب والخداع. وهكذا القيطون الذي ينهب مال الدولة يقوم بالتسبيح والتهليل وقيام الليل.
بحمد الله القياطين الكبيرة في عهد سلمان الحزم تم محاسبتهم بنظام التسويات واختفوا عن الأنظار بعدما كانوا يختالون بين الآخرين مفتخرين بجاههم ووجاهتهم.
فقد استعادت الدولة مبالغ كبيرة منهم قدرت بـ400 مليار ريال.
واليوم وبعد إعلان الأوامر الملكية الجديدة تؤكد الدولة استمرار حربها على الفساد مع التركيز على القياطين الصغيرة، وسيأتي اليوم الذي يُعلن فيه عن مجموع ما تم استعادته منهم.
وتأكيداً على الحرب على الفساد وقطع الطريق لمن تسول له نفسه أن يصبح قيطوناً كبيراً أو صغيراً، فقد صدر من الأوامر الملكية الجديدة (29-12-1440هـ) بتحويل اسم ديوان المراقبة العامة إلى الديوان العام للمحاسبة، تأكيدًا على محاسبة ومعاقبة الموظف المقصر، وفي هذا يجد القيطون محاصراً بين مطرقة هيئة مكافحة الفساد وسندان الديوان العام للمحاسبة، فإن فلت من أحدهما لن يفلت من الآخر.
بلا شك أن الحرب القادمة على الفساد ستكون أكثر شراسة، وسيحاسب الفاسد الذي يفكر في اللعب في مال الدولة واختراق أنظمتها ألف حساب وحساب، وهكذا تتأصل هيبة الدولة ويتضاعف حبّ الشعب لبلده وفخره بالانتماء إليها، فأرضنا ستتطهر من الفاسدين والمفسدين ومؤلبي الفتن والقلاقل، وستمشي الدولة بفرض زعامتها وهيبتها على الجميع، مجتثة أي قوة تحاول زعزعة لحمتها، فلا وجود لدولة عميقة ولا لدولة نصف عميقة، فزعامة الأمر ومفاصل قوتها تتحد في كيان واحد وولي أمر واحد الذي أطلق رؤية 2030 وأشرف على تطبيقها.
ونحن، وإن بلغنا من العمر ما بلغنا، لنسعد أن يكون أبناؤنا والأجيال القادمة ستبرمج قيمهم وفكرهم على نظام نظيف يشوبه العدالة والمساواة والانتماء الصادق تحت صرح حضاري استثنائي سيكون موعد الاحتفال به بعد عشر سنوات من الآن، فهنيئاً للمحتفلين.