إنَّ شباب الأمة هو معقد آمالها، ومبعث رجائها، هو المادة الحيوية لحاضرها والنبوءة الصادقة لمستقبلها، فإذا استقام أمره، وصلحت حاله فقد ازدهرت حياة الأمة وقويت مطامحها إلى مستقبل باسم سعيد.. بحلول العام الدراسي الجديد 1441هـ.. تهنئة من الأعماق لكل الطلاب والطالبات والقائمين على التربية والتعليم.
إنَّ العالم قد شهد في السنوات الأخيرة من التحول والانقلاب ما لم تشهدها الإنسانية في تاريخها الطويل العجيب، ولقد كان هذا التحول شاملاً سريعًا، تجاوز في خطاه وبَعُدَ مداه أخيلةَ الشعراء، وأحلام المفكرين، فما كنا نَعُدّه مستحيلاً أو معجزة أو أعجوبة في الماضي قد أصبح بفضل المبتكرات والمستكشفات ممكنًا، بل بَدَهياً مألوفاً، وما كنا نحسبه فروضًا أو أوهامًا قد أضحى بفضل الجهود الإنسانية حقائق واقعة حتى لقد تغير وجه العالم، وبُدّلت الأرض غير الأرض وصرنا إلى حياة جديدة وخصائص جديدة، استطاع العالم أن يغزو كل منيع وأن يقتحم كل مجهول حتى صار العالم كحلقة مفرغة لا يعرف أين طرفاها.
أيها الأبناء والبنات: إن حياتكم الجديدة حياة جِدّ وعمل، تأبى الحظ وتنفر منه، والحظ لا يعني في حاضرنا أكثر من الجِدّ والعزم واغتنام الفرص وتوجيهها التوجيه الصالح المثمر في حياة الفرد وحياة المجتمع، إن النشاط والقوة وصدق العزم، أن هذا العصر لا يعرف خَوَرًا أو توانيًا أو ترددًا أنه يعتمد على العزيمة الماضية ويقصد في قوة إلى الغايات المحدودة الواضحة، فليس يغنيكم في حياتكم أن تكونوا علماء موهوبين ما لم يقترن ذلك فيكم بالعمل والجلد فيه، والصبر عليه مع الإقدام والشجاعة، هذه هي دعامة النجاح وقِوَام الظفر، حقاً ليس المرء في حياته سوى قوة وعزيمة ونشاط، فإن ضعفت فيه هذه الصفات فقلَّما يصلح لشيء في هذه الحياة، إنَّ أسوأ نوع من الفشل يصيب المرء في حياته هو ذلك الفشل الذي ينشأ من ضعف الإرادة وفتور الهمة.
إيها الشباب: إنَّ لكم إرادة لا ينكرها غير العجزة الوَكَلة، فالمدار في هذا أن لا نفقد الأمل ونستسلم إلى اليأس بل نواجه الشدائد بعزيمة أشد منها:
وإني إذا باشرت أمرًا أُريده
تدانت أقاصيه وهان أشدّه
إخواني الآباء وأولياء الأمور: هناك إجماع أو ما يشبه الإجماع بين مجموع المربين والمشتغلين بالتربية، بل وبين الأباء وبين أفراد المجتمع وبين المسؤولين عن توجيه المجتمع، على أن هناك فشلاً ذريعًا منيت به المدارس والجامعات في أن يسلك الشباب السلوك الخلقي الذي يرتضيه المجتمع، وأن تكون لديهم القيم الخلقية التي تدعم هذا السلوك وتوجهه، وليست المدرسة وحدها في الواقع هي المسؤولة عن هذا الفشل، وليست مسؤولة وحدها كذلك عن إيجاد تلك القيم ودعمها، فالمجتمع بكل مكوناته ومقوماته مسؤول والأسرة بجميع عناصرها مسؤولة ووسائل الإعلام وما تقدمه مسؤولة.. ولكن المدرسة هي أداة التعليم التي أوجدها المجتمع لتعليم أبنائه، والسلوك الخلقي بما وراءه من قيم مُتَعَلَّم ومكتسب، وعلى الرغم من العوامل الأخرى ذات الأثر في توجيه السلوك إلا أنَّ المدرسة تستطيع القيام بالعبء الأكبر في اكتساب التلاميذ تلك القيم وهذا السلوك، فالمدرسة وحدها لا تستطيع أن تعمل كثيرًا كما يتوقع منها لكي تغير المستويات، أو تعدلها، فطرق تربيتنا ونظام تعليمنا جزء من مجتمعنا يحمل إلى المجتمع عناصر لها من تماسك الخلق وصلابة القيم ما يمكنه من التماسك ووحدة الهدف، والحق أن الأمة تبغي شبابًا سليمًا قويًا في جسمه وخلقه، إنها تبغي شبابًا يكافح في إيجاد العمل ويثابر على مزاولته، إنها تبغي شبابًا فيه عزم يذلل به الصعاب ويكتسح العِقَاب، إنها تبغي شبابًا لا ييأس من فشل، ولا يضجر لمكروه، فكونوا كذلك..
إنَّ الأيام تمر وتتابع وتدور رحى الزمن بالناس، فمن الخير أن نذكر نفرًا كريمًا من أساتذة الجيل كان لهم حظ من صفاء النفوس، ورقة القلوب، وسلامة الطبع، ودماثة الخلق.. كان من حظنا أن نتعرف إليهم وأن نعايشهم، ونناقشهم، ونقرأ لهم، وأن نتتلمذ عليهم لا في علم من العلوم ولكن في المعارف العامة والمثل العليا، والخلق الفاضل، والأدب الجم، والقدوة الحسنة، فلابد أن نعترف بفضلهم ونترحم على من اختاره الله منهم إلى جواره، وإنهم أحياء في أذهان الناس بجليل أعمالهم وكريم أفعالهم.. أسأل الله أن يوفقكم جميعًا، ويأخذ بأيديكم لرفعة الوطن الكريم، وينير أبصاركم وبصائركم.