د. عبدالرحمن الشلاش
مهما بلغ تعلقك بكرة القدم، وعشقك لمبارياتها وفرقها ومنافساتها وخاصة المحلية منها فإنك ستجد نفسك يومًا وقد قررت بمحض إرادتك هجرها والتخلي عن متابعة مبارياتها بل والتحول إلى مناهض صريح لكل من يتحمس لها وينتظر مبارياتها بفارغ الصبر، والسبب بكل صراحة وشفافية البيئة غير الجيدة التي باتت تحيط بالمنافسات الكروية المحلية فأرغمت أعدادًا كبيرة من الجماهير السعودية لمتابعة الدوريات الأوربية كي يستمتعوا بفنون الكرة في أجواء هادئة مشبعة بالتنافس الكروي الشريف والبعيد عن التعصب وإثارة الأحقاد والكراهية، وزرع البغضاء بين أبناء وطن واحد في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الترابط والتكاتف في لحمة وطنية واحدة لا يفرقنا جلد منفوخ.
إن كنت تحب كرة القدم فستجد نفسك يوما وقد هجرتها إلى غير رجعة والسبب ليس أخطاء حكام بحق فريقك الذي تشجعه لأن الخطأ من طبع البشر، والحكم بشر يصيب ويخطئ ويتأثر أيضًا بما حوله من عوامل قد تكون محبطة أو باعثة للقلق والخوف من تهور جماهيري أو نقد لاذع من الأندية أو أحد الإعلاميين من الذين وجدوا المجال أمامهم رحبًا ليقولوا ما يشاؤون دون محاسبة. ولن يكون السبب مسؤولاً في اتحاد الكرة ولجانه فهؤلاء يتغيرون ويأتي غيرهم ويجتهدون فيكون الصواب ويكون الخطأ، ويكون بينهم منصف ومتعصب، وحريص ومضيع.
السبب الرئيس لتفكير بعض الجماهير الواعية بهجر الكرة رغم حبهم لها الحال الذي وصل له الإعلام الرياضي، وإذا كنا في زمن مضى نحجم عن قراءة ما يخطه بعض الإعلاميين في صحفهم ومجلاتهم، وما يمارسونه من تضليل وحجب للحقائق، وما يقترفونه من خلال دخولهم في ذمم الغير فإننا اليوم نقف في منعطف خطير جدًا أمام ما يطرحه عتاة المتعصبين في البرامج الفضائية الرياضية التي دخلت البيوت دون استئذان، وأطلت علينا وجوه مكانها الطبيعي مدرجات الملاعب الرياضية. دفعت تلك البرامج التي تقتات على التعصب بأشخاص نكرات لا تاريخ لهم ولا عطاءات ولا إنجازات. لم يكونوا يومًا من الأيام لاعبين ولا مدربين ولا مسؤولين بارزين في أنديتهم، ورغم ذلك جيء بهم لينتقدوا الأندية واللاعبين والحكام وهيئة الرياضة واتحاد كرة القدم وكل ما يملكونه من مؤهلات قدراتهم البارعة على الصراخ وتبادل الاتهامات وبالتحديد تنفيذ ما تطلبه منهم القنوات التجارية أو الرسمية التي تشعل التعصب وتشجعه وتدعو له بطرق غير مباشرة من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب من كمية الإعلانات والرسائل والمكالمات وكل هذا من جيوب المشاهدين المساكين الذين يقضون الليل في متابعة برامج أقل وصف لها أنها أفسدت أجواء الرياضة وحولت أهدافها السامية من ترفيه وقضاء لوقت الفراغ والمنافسة الأخوية الشريفة إلى أجواء مشحونة بالكراهية والحقد والسب والشتم بين جماهير وطن واحد يجمعهم حب بلادهم بعيدًا عن المهاترات.
هناك من الشباب الغض وقليل الخبرة من يصدق ما يطرح وهنا تكمن الخطورة فما تزرعه المؤسسات التربوية بما فيها الأسر والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام الراقية من قيم نبيلة تهدمه تلك البرامج في لحظات. نحن لا نطالب بوقف تلك البرامج قدر دعوتنا لإعادة غربلتها وتخليصها من كل متعصب واستقطاب من يستفيد المشاهد من فكرهم النظيف والواعي وتحليلاتهم المنطقية.