خالد بن حمد المالك
على مدى سنوات طويلة ظلت صورة المملكة مشوشة حقوقيًّا، يحوم حولها الشك كلما كان الحديث عن حقوق الإنسان فيها، لأهداف خبيثة، لا تغيب عن أذهان وعقول العقلاء والمنصفين والجادين في معرفة الحقيقة. وكان هذا الفريق أو ذاك المعادي للمملكة يتكئ في حملاته الظالمة ضد المملكة على أمور شكلية، أو أنها تخضع لوجهات نظر متباينة بين أفراد المجتمع السعودي؛ فيؤخر هذا التباين من الاستعجال في إقرارها والسماح بها، كما كان الأمر بالنسبة لقيادة المرأة للسيارة.
**
ولم تهدأ هذه العاصفة الظالمة، ولم يتوقف هذا الهدير الإعلامي والسياسي برمي المملكة بما هو غير موجود فيها، واتهام سياساتها وتجريم أعمالها، حتى بعد أن سُمح للمرأة بأن تقود سيارتها، وأن تحضر المباريات الرياضية، بل وحتى بعد أن سُمح بافتتاح دور للسينما، وأُقر مشروع إقامة الحفلات الغنائية، وأُعيد النظر بنظام الولاية الذي كان سائدًا بحق النساء؛ وهو ما يؤكد أن المملكة مستهدفة ليس دفاعًا عن حقوق المرأة، ولا بحثًا عن تغييرات تخدم حقوق الإنسان في بلادنا.
**
فالهدف من كل هذه الحملات الشرسة التي لن تتوقف وستتواصل طالما كانت المملكة تتمتع باستقلالية عن سياسة المحاور لدى الدول الكبرى، ورفضها لأن تكون دولة مطيعة ومتعاونة فيما لا يمكن أن تقبل به أو توافق عليه كونه لا يخدم مصالحها؛ فإن هذا سبب استمرار هذا الموقف العدواني المشبوه من المملكة، ولا ضير في هذا طالما أن سياسة المملكة تنسجم مع رغبات المواطنين، وتلبي تطلعاتهم في تحقيق أعلى الدرجات في سلَّم ما يسمى بحقوق الإنسان فيها، مقارنة بغيرها من الدول.
**
لماذا يأتي هذا الكلام الآن، وليس من قبل؟ والجواب لأن المسؤول الأول عن حقوق الإنسان الدكتور بندر العيبان غادر مكانه في الهيئة بثقة ملكية؛ ليكون مستشارًا بالديوان الملكي بعد أكثر من عشر سنوات قضاها مدافعًا عن حق يريد الآخرون إخفاءه، وعن حقيقة يسعى الأعداء إلى أن يجردوها من معناها الجميل، بما يملكه الرجل من وقائع ومعلومات وخبرات، وبما كان يتمتع به من (كاريزما) وقدرة على منافحة الخصوم دفاعًا عن مبدأ حقوق الإنسان في المملكة بالمحافل الدولية.
**
لقد وُلدت هيئة حقوق الإنسان في المملكة في الوقت المناسب. وإذا كان الأستاذ تركي الخالد السديري قد تولى في فترته مرحلة التأسيس، ووضع القواعد، والإعلان عن السياسات التي ستكون منهجها، وهو جهد مشكور ومقدر، ويُضاف إلى سجله في أعمال ومواقع كثيرة، خدم بها الدولة وأجاد، فإن ما يسجَّل للدكتور بندر العيبان أنه جدَّد وأضاف إلى الهيئة ما جعلها قادرة على الصمود في مواجهة تشويه الحقائق، وأبان وأوضح ما حاول الخصوم أن يغيِّبوه أو يشوِّهوه بما كان يملكه بين يديه من معلومات؛ وهو ما جعل هذه الحملات المسعورة تتضاءل، وتصبح بلا قيمة أو تأثير.
**
وما أعرفه عن الهيئة ورئيسها السابق أننا كنا أمام مشهد من النجاحات في هزيمة من أراد أن يسيء إلى المملكة، من خلال الطرح الموضوعي الذي كان يقدمه الدكتور العيبان أمام لجان الأمم المتحدة الدولية عن الإنجازات الكبيرة التي لم تكن لتتحقق لولا دعم ومساندة ومتابعة القيادة الرشيدة، واختيارها للرجل المناسب في المكان المناسب في هذا الموقع المهم.
**
لقد أصبحت المملكة بين 36 دولة أوفت بجميع التقارير المطلوب تقديمها للأمم المتحدة، ضمن استمرار الإنجازات الوطنية في مجال حقوق الإنسان التي تعيشها بلادنا، سواء كان على مستوى الوطن، أو مستوى الإقليم، أو على المنابر الدولية، وبما يضاهي أعلى المعايير الدولية. وبهذه السياسة الحكيمة، ورغم كل التحديات، تمكنت من أن تغيِّر الصورة؛ لتعكس الإيجابيات التي تمثل واقعنا، بعمل دؤوب، وجهد ملموس، ومتابعة لكل المستجدات، بما خدم المملكة، وجعلها هي الأقوى في مواقفها الثابتة، وسياساتها التي تراعي حقوق مواطنيها. متمنيًا للرئيس الجديد الدكتور عواد بن صالح العواد كل التوفيق والنجاح.