عبدالعزيز السماري
تتقدم الإنسانية دائمًا نحو الابتكار بعد الابتكار الذي يحسن نوعية الحياة في العالم، وقد شهدت السنوات الـ 150 الماضية التطور الأكثر بروزًا للتكنولوجيا في التاريخ وحيث بلغ عمر الإضاءة الكهربائية والسيارات والبلاستيك والهاتف والتلفزيون 150 عامًا، في حين حفزت الابتكارات الحديثة مثل الإنترنت تنمية مجتمعية أكثر سرعة، وعززت التطورات التكنولوجية الإنتاجية من خلال السماح للعمال بإنجاز المزيد في يوم واحد، مما ساعد على زيادة الإنتاج ويعزز النمو الاقتصادي.
يمر العالم في منعطف تاريخي اقتصادي بعد سقوط العولمة وانتصار الشرق في تزعم العالم في سباق الابتكار، وهو ما يفسر الصراع الاقتصادي ما بين الصين والولايات المتحدة، كذلك تجاوزت إفريقيا كثيراً من أزماتها، ووصلت إلى مرحلة الاستقرار والاستعداد إلى اللحاق بالركب الإنساني.
بينما لا زال الشرق العربي يتصارع من خلال مذاهب وطوائف حطت من إنسانيته، ويتضح ذلك في الاستهتار بأرواح الآخرين، فالآخر محكوم عليه بالموت تحت البراميل المفخخة والمتفجرات، وظهر ذلك في الحروب الطائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
الثروات العربية تُهدر في حروب لا طائل منها، وفي استنزاف لا محدود للقدرات البشرية والمالية، والخاسر هو الجميع، إذ لا يوجد مكاسب خلف الحروب الدينية في المنطقة، ومهما حاولنا أن نبتعد أو نتغافل عن الحقيقة المرة، إلا أنها ساطعة كالشمس، فالثورة الإيرانية أشعلت الأحقاد في النفوس، وأصبح العربي يقتل أخاه العربي من أجل تحقيق أهداف الفارسي في بلاد العرب.
أحياناً أشعر أن لا مخرج من هذه الأزمة، فالعالم يتفرج على اشتعال الحروب الطائفية في العراق وسوريا، وتساهم بعض الدول الكبرى في استمرار اشتعالها، والأرض المحروفة تتسع مساحتها، ولم يعد هناك أمل في أن نصل إلى شاطئ للأمان في ظل تحول الحرب إلى وباء، الخاسر فيها فقط عرب الشرق، بينما تبتسم إيران وإسرائيل بتحقيق أهدافهم الإستراتيجية على الأراضي العربية.
ما حدث في السودان دليل على ذلك.. فدول المنطقة ساهمت في إخراج السودان من الدوامة إلى الاستقرار، بينما مُنعوا من التدخل في سوريا والعراق، وتم استغلال الكراهية الساذجة في الصراع الشيعي السني من أجل تدمير الدول التي تحيط بدولة الاحتلال، وخلق منطقة عدم استقرار مرشحة للاتساع بسبب تأجيج الطائفية بين السكان، وفتح الأبواب للأحزاب المتطرفة لخوض المعارك.
لا زلت أعيد طرح نفس الأسئلة، لماذا نتقاتل؟، ولماذا نهدر الثروات العربية، ولماذا نخون بعضنا بعضاً، ولماذا نكون عملاء لأعداء أوطاننا، وماذا سيستفيد الحوثي على سبيل المثال من تحقيق أهداف إيران في المنطقة، وهل ستكون اليمن أكثر استقراراً عندما تكون ساحة أخرى في لطم الصدور، ونزيف الدماء، والبكاء على الأمس البعيد إلى أن تقوم الساعة.. أفيقوا من سباتكم أيها العرب في الشرق قبل أن تخرجوا من التاريخ إلى الأبد، فالعالم يقفز إلى الأمام، بينما تغرق أوطانكم في نزاعات ليس لها علاقة بالزمن الحاضر.