علي الخزيم
تنافر عجيب بين بعض تصرفاتنا وتوجهاتنا؛ ففي مجلس العائلة أو بالاستراحة والمُخَيَّم وما على شاكلتها مما يجمع الأسرة والأحباب والأصدقاء: تجد من يَحثّ أطفاله وفتيانه على التمسك بتقاليد القبيلة والآباء والأجداد بكل تفاصيل الجلسات والسمرات الليلية وكذا عند استقبال الضيف وطريقة صب القهوة وتقديم طيب العود، ومراسم تقديم الضيوف للمآدب؛ إلى آخر قائمة المراسم المعروفة، ولكل قبيلة ومنطقة مراسمها وعاداتها وطريقتها، وكلها إجمالاً مما يُحمد ويُفتَخَر به، فلا يُعاب على أحد اجتهاده لإكرام الضيف وتمسكه بعادات الأهل والعشيرة وسجاياهم الحميدة، دون مبالغات تخرجها عن غاياتها وجمالها الموروث، لكنه يؤاخذ حين يُصِرُّ على تلقين أطفاله كلمات وجمل بلغات أجنبية لإظهارهم بمظهر (يراه) أكثر تحضراً وتماشياً مع العصر، بل ويباهي بهم بين الجماعة حين ينطق طفله الكلمة الأجنبية ويتطلع بوجوه الآخرين مزهواً بذلك.
لا أحد يعترض على تعلم اللغات، بل أن المجتمع متفق على ضرورة ذلك، والدولة - أعزها الله - من أكثر الدول وأوائلها ابتعاثاً للطلاب من الجنسين لتلقي العلوم والمعارف بدول متعددة وثقافات مختلفة، كما شجعت على برامج الترجمة المزدوجة (من اللغة العربية إلى لغات عالمية ومنها إلى العربية)؛ وذلك لدعم حصول الشباب على مزيد من استيعاب الثقافات والعلوم والمعارف من مصادرها وبلغاتها كظاهرة حضارية ضمن توجه القيادة - أيدها الله - للنهوض بالشباب نواة المجتمع وعماد المستقبل.
إذاً فالتوجه لتعلم اللغات وحث الناشئة على تعلمها من الأمور الجيدة النافعة إذا قصد بها العلم والمعرفة والتحضر المنشود، أما أن نُلقِّن الطفل كلمات أجنبية ثم نباهي بها أمام الناس وبمجلس نتمسك به بعاداتنا وموروثاتنا الشعبية وبتفاصيلها الدقيقة ولا نقبل من الطفل والشاب أن يتخلى عنها ولو لمرة واحدة فهذا - برأيي - تناقض غير محمود قد يورث للصغار التضاد بالفكرة والتفكير، ويؤسس بنفوسهم التضارب بالمشاعر والتناقض بالتوجهات، وفي عقولهم تبرز الصدامات والمعارك الذهنية التي لا يجدون لها تفسيراً منطقياً، وتبقى وتنمو بدواخلهم حبيسة مشاعرهم ومداركهم، وقد ينتج عنها (لدى بعضهم) صراعاً عقلياً نفسياً يؤثر بمستقبل حياتهم مع أنفسهم ومجتمعهم، فالفهم المتوازن لمقاصد المعرفة وتفسيره لعقول الناشئة يجعلهم ينمون ويتطورون فكرياً بعقليات تستوعب ما يحيط بهم من رقي وتقدم، لا يخلط بين العادات الموروثة وما اكتسبوه من معارف.
راقت لي فكرة (تحدث العربية) كمبادرة شبابية يرجى لها النجاح، وهي ليست بالجديدة؛ فقد بادرت كليات بمناطق متعددة لمثلها بأعوام فاتت، وكانت وزارة التعليم قد أطلقت فيما مضى مبادرة بعنوان: (مهارات التحدث باللغة العربية الفصحى)، ولا أعلم مدى استمراريتها ونتائجها، ومن المبادرات الجيدة إطلاق أحد المدققين اللغويين مبادرة: (اكتب صح) لتفادي الأخطاء الإملائية بوسائل التواصل الاجتماعي، وقرأت عن حملة بالجزائر الشقيقة تنادي بتغيير اللافتات فوق المحلات واستبدالها باللغة العربية والحث على العناوين بلغتنا الجميلة، وفي الشقيقة تونس لاحظت انتشار العبارات والكلمات العربية عميقة الفصاحة رغم تأثرهم باللغة الفرنسية؛ أما بالعراق واليمن فتسمع ما يطرب ذوقك اللغوي العربي!