محمد آل الشيخ
من أهم الحقائق التاريخية التي أنا مقتنع بها تمام الاقتناع، وغالبًا ما أرددها في مقالاتي مفادها أن من يظن أن بإمكانه أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء حيث كانت الأمجاد والتاريخ التليد فبشره طال الزمن أو قصر بالفشل والتخلف. من هؤلاء «رجب طيب أردوغان» فهذا الرجل مثل آخرين غيره أراد أن (يُحيي) إمبراطورية بني عثمان، ويستغل دعوات بعض الحالمين العرب والمسلمين بأن يستعيدوا أولئك السلاطين الذين جالوا وصالوا ابتداء من أواسط آسيا وحتى أواسط أوروبا. غير أن ذلك ضرب من ضروب المستحيل، فعصرنا ليس كالأمس، والقوى المعاصرة ليست كما كانت في الماضي، ولم يصحّ أردوغان من أحلامه الرغبوية إلا بعد أن فشل مرشحه في انتخابات إسطنبول فشلاً ذريعًا، في البداية صدمته النتائج التي لم يكن يتوقعها، فرفضها واتهم القائمين عليها بالتزوير، إلا أن جولة الإعادة كانت أمر وأقسى؛ ونتيجة لهذه الهزيمة بدأ رفاقه في الحزب يتفرقون، ويتخلون عن الحزب الواحد تلو الآخر، حتى بدا جليًا للأتراك أن أردوغان سينتهي في نهاية فترته إلى خارج السلطة عام 2023 إذا لم تتفاقم الأوضاع الاقتصادية وتضطره إلى التخلي عن السلطة قبل هذا التاريخ.
أردوغان اكتشف متأخرًا أن أحلامه كانت أحلام يقظه، غلفها بقدر كبير من التفكير الرغبوي، الذي لا يمت للموضوعية بصلة، لكن اكتشافه هذا جاء على ما يبدو متأخرًا، وهو الآن أصبح أكثر واقعية، وعنترياته التي استحوذت على خطابه السياسي ظهر أنها من أسباب المأزق الذي وجد نفسه فيه، غير أن مكانته السياسية السابقة على الأقل داخل تركيا تحتاج إلى (قضية) من شأنها أن تعيد له تألقه الذي افتقده، من خلال توسيع رقعة المناوئين له على حساب الداعمين له، والذين بدأوا يتناقصون ولا يبدو أن في الأفق قضية يمكن لها أن تعيده إلى مكانته السياسية القديمة.
وفي تقديري أن أكثر ما أضر به وأفقده كثيرًا من مكانته احتضانه لجماعة الأخوان، وفتح الباب لهم للإساءة لكل من يختلف معهم، فأصبحت تركيا ملاذًا للتطرف والمخاصمين لدولهم، بينما أنه لم يجن من هذا التصرف في الواقع ما يبرر خسائره السياسية، فلا يمكن أن تنصر جماعة منبوذة من أغلب الأنظمة العربية وتنتظر أن يقفوا صامتين، أضف إلى ذلك أن ابتزازه للسوربين من خلال سماحه بتدفق اللاجئين قد يكون له مردود على الأمد القصير لكنه مقابل هذه المكاسب السريعة جعل الأوروبيين يعتبرونه غير مرغوب فيه وهذا ما زاد الطين بللاً وكرس الرغبة الجامحة للعمل على أقصائه، فالانتهازي الذي لا يرى أبعد من طرف أنفه لا بد إلا وإن يسقط طال الزمان أو قصر.
وفي تقديري أن أردوغان، راهن على نصرة (الأيديولوجيا) وأهمل مصلحة شعبه وتطلعاته، فكانت النتائج كما ترون.
إلى اللقاء