عبدالعزيز السماري
لا يختلف اثنان أن الفساد هو سبب انهيار الأمم، ولهذا دومًا ما تحرص الدول التي تريد الدخول إلى المراكز المتقدمة في النمو إلى محاربة مختلف أوجه الفساد في مختلف المستويات، وما فعلته الصين من تقدم في مختلف المجالات يستحق التوقف والتأمل، والمفارقة أن ذلك تم بمساعدة عالم اقتصاد عراقي هو إلياس كوركيس مؤسس إستراتيجية مشروع نهضة التنمية الاقتصادية في الصين، في وقت كانت بلاده الأم تئن تحت جراح الحرب والفساد والطائفية، وهو ما يعني أن الخروج من أطوار الفساد يحتاج أولاً إلى قرار سياسي واستعداد اجتماعي وسياسي للخروج من دوامته.
تعريف الفساد يعني بشكل عام إساءة استخدام السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة، ويحتاج إلى قدر عالٍ من الشفافية للنظر في الأمر بدون ازدواجية، فالفاسد مثل المريض الذي ينقل عدوى المرض من شخص إلى آخر، وبانتشاره يتحول إلى وباء خطير، وإذا لم يكن العلاج كليًا تظل بؤرات في الجسد، ليعود المرض وينتشر من جديد في زمن آخر، وتعني أبسط أنواع الفساد الإساءة اليومية للسلطة الموكلة إليها من قِبل الموظفين من ذوي مختلف المستويات في تفاعلهم مع قضاياهم اليومية، واستغلالها للاستفادة الشخصية.
تشخيص الواقع يتطلب شجاعة غير مسبوقة من أجل خدمة الاقتصاد الوطني، ويأتي في مقدمتها الكسب غير المشروع، ومن أهمها في مجتمعنا تجارة استقدام الموارد البشرية، فقد كانت المصدر الأول للثراء غير المشروع، فهم يقومون بدور سلبي ضد أبناء المجتمع، وتتم مكافأتهم ليتحولوا إلى أثرياء بطريقة غير مشروعة، فهي عمليًا بديل مكاتب الرق بمفاهيمها القديمة، ولا يوجد حل آخر غير أن تكون عملية الاستقدام من خلال الحكومة وحسب حاجة المجتمع لمختلف المهن..
ربما يومًا ما سندرك أخطاء هذه المرحلة، ونستغرب، ولك أن تتصور أن أحدهم يستقدم عمالاً في مختلف المهن، ثم يطلقهم في السوق تحت اسم وهمي، ثم ينتظر نسبة من ريعهم الشهري، وهي حالة إثراء غير مشروع، كذلك يدخل في ذلك مؤسسات الاستقدام المنتشرة في البلد، التي تستنزف البلاد بشريًا وماديًا، وتحول أشخاصًا إلى أثرياء، ليس بسبب إبداعهم، ولكن لأن لديهم الترخيص لاستيراد العمالة الأجنبية في بلاد متضخمة بالعمالة المستوردة.
الوجه الآخر للفساد في مجتمعاتنا الشرقية هو المحسوبية، حالة من الفساد تلبس بوجه مزيف للخير، فكم عانت الفئات الأقل في حسابات المجتمع من الإقصاء سواء كان في العمل أو فرص التعلم أو في الحصول على وظيفة بسبب عدم وجود أسمائهم في صفحة المحسوبين، ومن خلال نظرة خبيرة من داخل المؤسسات أيًا كانت تتضح خطوط المحسوبية، وتعني بكل بساطة الاستئثار بمصالح المؤسسة لخدمة الأقرباء وغيرهم من الرفقاء والأصدقاء، وليس الكفاءة والقدرة على الإنجاز.
خلاصة الأمر أن الفساد يفتك بصمت، وأول خطوة في طريق محاربة الفساد هي تقديم تعريفات واضحة لمختلف أنواعه، ثم إصدار مواد تفصيلية تضع النقاط على الحروف، وذلك من أجل إيضاح ماهية الفساد بين الموظفين، وهو ما يعني سرعة أكثر في الوصول إلى التشخيص من أقصر الطرق، وهو ما يجعل من الثراء نتيجة فقط للعمل الدؤوب وتحقيق الإنجاز، والله ولي التوفيق.