عمر إبراهيم الرشيد
وقف يومًا صقر قريش عبدالرحمن الداخل متأملاً نخلة وقد أخذه الحنين إلى دياره في المشرق العربي، فجادت قريحته بأبيات لها من الفخامة ما لهذا الأمير القرشي، الذي كانت الهجرة له والغربة مدخلاً للمجد ليخلده التاريخ وتذكر سيرته أجيال العرب والعجم إلى اليوم، ولو كانت هذه الصفحة أدبية لسردت تلك الأبيات الندية. الهجرة والاغتراب فراق للوطن والأحباب والأصحاب، وخسارة استقرار ومورد رزق وغيرها من المكتسبات. سواء من ترك هذه المزايا غير مضطر ولمجرد التغيير أو التمرد، أو قسرًا واضطرته صروف الأقدار لذلك وهذا أدهى وأمر. ثم يتبدى تأثير الغربة والهجرة على الإنسان بحسب دينه، شخصيته، مهاراته ومكتسباته، تعليمه وثقافته. فمنهم من يرى في الغربة تحديًا واستخراجًا لطاقات لم تجد لها فرصة في وطنه الأم، والحاجة للبقاء ومن ثم المنافسة في البيئة الجديدة تجعل البعض يبرز في تجارة أو تعليم أو رياضة. لبنان على سبيل المثال هاجر من أبنائها 12 مليون نسمة انتشروا في كافة القارات، فبرزوا ووصلوا لأعلى المناصب في السياسة والاقتصاد والإعلام في دول المهجر، والأمثلة على نجاح من قلب المحن إلى منح عصية على الحصر. في هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أسمى وأروع الدروس والعبر، وهو ما حدا بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب لاتخاذ الهجرة النبوية تقويمًا عربيًا إسلاميًا، كما أن جموعًا غفيرة من الأنبياء والرسل، العلماء والمخترعين والمفكرين عبر التاريخ، كانت لهم الهجرة والاغتراب فتحًا ومن ثم تغييرًا لمجرى التاريخ البشري. بدأ العام الهجري المجيد بعد أن ودعنا سلفه، وتمضي بنا الأيام والأعوام وكأنها تجري جري الخيول، فالحكيم من رسم لنفسه ولو هدفًا واحدًا يحققه خلال العام الجديد، واعتبر من أخطائه وسقوطه في أمر من أموره، أسأل الله أن يحفظ أمن الوطن ومن عليه ويرزقكم حسن التوكل عليه وشكر نعمه وكل عام وأنتم أجمل وأحكم وإلى اللقاء.