د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
[الطائف] تلك الباسمة بورودها وبرودها، وذلك الفضاء الذي يشبه أطواق الجمال حين تحيط بأعناق الحِسان، وتلك المدينة التي يبلل العطر رداءها، ويغمر القَطْرُ أرضها وسماءها، وتصحو على الندى رياضها وحياضها؛ وتلكم الربوة العالية التي تعانق السحاب؛ وتسمو لتحتضن حزمة من المقومات التاريخية والبيئية والمناخية والآثار الداعمة والموروث الشعبي المبهر المتنوع، فكانت الطائف عروس المصايف مستهدفًا مكينًا لرؤيتنا الحضارية العملاقة 2030، تلك الرؤية التي صافحتْ القطاعات الاقتصادية غير المفعّلة فنهضتْ مرحبة مشتاقة؛ وكان المجال السياحي مستهدفًا بالتطوير والأمكنة والتمكين حيث هو مستراد وفير لخلق الوظائف؛ وترقية جودة الحياة؛ ومنح المواطن السعودي شارات البدء الحقيقية؛ وهناك في الطائف حيث لبُّ السياحة ووسمها كانت صفقة ثمينة لصناعة السياحة من خلال التاريخ في عكاظ وسوقها العريقة؛ ومن خلال جمال البيئات هناك في مصافي الورد وقطفه وصناعته، وتجليات الطبيعة حين تتنفس الورد، وتُحاك ثيابها من الفل والكادي؛ كل ذلك في مغانٍ جميلة وتضاريسَ شاهقة مذهلة فحشدتْ لها هيئة السياحة صُنّاع الجمال والبهجة، وأضفتْ عليها من محفزات الظهور ما أبرز كنوزًا عديدة، فكان التنوع في الفعاليات التي لبتْ رغبات السواح والزائرين في موسم الطائف [غير جو]، ففي حضن جبل «غزوان» تتربع تلك المدينة الفاتنة منذ القِدَم وما زالت؛ وفي حوزتها من الأراضي العذراء ما يلزمه تخطيط يليق بها لتطويرها كاستحداث بعض القرى السياحية بمواصفات حضارية جديدة وربطها بماضي الطائف العريق وحاضره الجديد المختلف؛ وأخال الطائف وهي تنمو بيتًا سعوديًا أنيقًا في وسط حديقة غناء ذات بهجة، ويتمازج إنسانها مع حضارة مدينته، ويسعد حين يزرع حقولاً موروثة؛ مستمتعًا بموسم الطائف الذي توشّى من الطبيعة وتوشّحها، وهناك على أرض الطائف سوق عكاظ الجاهلية والمخضرمة؛ والسوق اليوم بديل عصري في تلك المفازة، وحفز للإنسان هناك للمحافظة على ذاكرة المكان العريق منذ الأزل؛ وتجاوز اللحظة الحاضرة إلى لحظات ثرية قادمة لتصبح عكاظ علامة فارقة في الثقافة الحاضرة، فبدتْ عكاظُ اليوم تظاهرة ثقافية ناصعة كما كانت في ماضيها أصلاً بارزاً في تاريخ العرب؛ وتأصيلاً جديدًا لعشق المكان الذي كان في عهوده السحيقة يحمل كل حواس العرب الأسطورية التي حملتْ البلغاء وحكمتْ على البضائع والتجارة المتنوعة؛ وكانت عكاظ مبعمنافرة، وزناد حرب، تحفّزها عادات الجاهلية؛ وعلى أرضها تختصبُ أفكار العرب وآدابهم يتصدرها كيان الضاد فتتنازع القبائل ارتداءه، والنبوغ فيه، كما كانت عكاظ معرضًا للتجارة ومؤتمرًا للسياسة والرأي والاجتماع، واحتكمتْ القبائل على أرض عكاظ في الحرب والسلم كهيئة الأمم (دون حق النقض) حيث قوة المكان آنذاك ارتباط مشروط لتعظيم المواثيق؛ فذاك من مروءات العرب الخالدة، وامتلأت عكاظ اليوم بلوحات فنية ناطقة تجلتْ فيها صورًا ذهنية لما كانت عليه عكاظ الماضي والتحول العصري الحديث الذي لم يزلزل عراقتها ومآثرها، ففي مستراد عكاظ وقف شعراء المعلقات [النابغة وطَرَفة وابن أبي سُلمى وامرؤ القيس وعنترة والأعشى وابن أم كلثوم والحارث بن حلزة....] وقفوا في منصات عملاقة صممها القائمون على التظاهرة الثقافية باحترافية واقتدار؛ فكان إبداعهم الشعري إعلانًا وافرًا عن وجود سوق عكاظ هناك؛ وعن حضورها المهيب من الماضي إلى أرض بلادنا موئل الحضارات القديمة والجديدة، وكان أيضًا وثيقة معلنة عن إحياء أيام عكاظ الملأى بالقيم والمآثر والحكمة فوق أرض الحكماء ومسند العرب والمسلمين بلادنا العظيمة؛ فحلتْ اليوم تتجذر في تاريخنا، وتعانق حاضرنا وتواكب انطلاقاتنا، وتنفتح السوق بما حظيتْ به من تطوير وترقية لأحوالها تنفتح على المستقبل حيث التركيز على القيمة المضافة في كل العناصر المرتبطة بالسوق، كما حظيتْ عكاظ اليوم عندما أصبحت من الحيازات الثمينة في [موسم الطائف] فأصبحتْ تملك قوة كبرى في تشكيل وجودها، ورسم ملامحها التي تمكنها من الاستمرار والمنافسة عربيًا وعالميًا مما يمكن عكاظ اليوم من دعم ثقافة الأجيال، وتحقيق المثاقفة بين أجيالنا ومرتاديها للمشاركة من بلدان العرب المختلفة.
وقد اكتنز [موسم الطائف] بعكاظ التاريخ والثقافة، وتعطر بورد الطائف وكاديها؛ وتباهي ببيئات الطائف الطبيعية الخلابة وتضاريسها الملأى بالحكايات، وموروث الطائف الشعبي الذي صنع انتماءاته ووشائجه.
فشكراً لمن نظم تلك العقود الجميلة وأبرزها للمشاهدة؛ شكراً للهيئة العامة للسياحة ممثلة بمعالي رئيس مجلس إدارتها على ترقية كل مدارج الموسم لتكون لائقة ببلادنا الجميلة. وشكرًا لمديرة موسم الطائف القيادة النسائية السعودية المبدعة الأستاذة نورة العكيل؛ وشكرًا لطواقم العلاقات الباذلين بسخاء وموظفي السياحة عمومًا على كل ما بذلوه من حفاوة واحتفاء وجهود واضحة، وكل موسم وبلادنا في عليائها.