رمضان جريدي العنزي
ثعلبة بن حاطب، كان رجلاً معدمًا فقيرًا، وكان رجلاً ملازمًا للمسجد قل ما يفارقه، وحين تبدلت حاله من حالة فقر إلى حالة غنى، ومن دنيا الشح إلى دنيا المال، أخذ في الابتعاد عن المسجد رويدًا رويدًا، ووظف جهده ووقته من أجل جمع المال، والركض خلفه، لقد قال (ثعلبة) للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله (والذي بعثك بالحق، لئن دعوت الله أن يرزقني، لأوتين كل ذي حق حقه) واستجاب الله دعاء النبي الكريم بحقه، حتى كثر ماله وزاد ونما، وتضخمت ثروته، وحينما طولب بالزكاة اعتبرها ثعلبه (جزية)، لقد أفسدته كثرة المال، وتحول الحال، حتى خرج عن الصراط المستقيم، إن هذا الانحراف، وهذا الطغيان، سببه كثرة المال، والغنى المفاجئ، إن الذين يشبهون ثعلبه يعيشون بيننا، وحول ظهرانينا، يجحدون، ينكرون، ويفرون من ساحات الواجب الديني والوطني والإنساني، لقد كانوا مثل ثعلبه في فقره وضيقه وحرمانه وأساه، وعندما اغتنوا فجأة تبدلت أحوالهم، وتغيرت مبادئهم، وتزلزلت ثوابتهم، وألغوا شعاراتهم الإنسانية البراقة التي كانوا ينادون عليها، يرفعونها ويطالبون بها، إنه المسخ الأخلاقي، والجحود والنكران الكبير، لم يعد همهم البعد الإنساني، والإيثار والتفاعل مع احتياجات الآخرين، بل أصبح همهم كنز المال، وملء الجيوب، بأي طريقة كانت، وصارت غايتهم البحث عن المداحين والسنابيين والمصورين، وأصحاب الشيلة والقصيد، يلبسونهم البشت، ويغدقون عليهم المال، باحثين عن الألقاب والأضواء، والتزويق والتنميق والصفات الكاذبة، شهواتهم في هذا المجال عارمة، يتهافتون على المديح، ويلهثون وراءه، وينتفخون به، مبتعدين كثيرًا عن الحق والعقل والحكمة والمنطق، إنها الازدواجية المقيتة، والتناقض الحاد، والإفلاس الروحي والمعنوي، والخسران المبين، إن الذين يشبهون ثعلبه، ما عندهم وخز ضمير، لأن ضمائرهم أصلا ميتة، ومشاعرهم تجاه الآخرين أصحاب الفاقة والعوز والحاجة راكدة، قلوبهم قدت من حجر، حتى انسلخوا من الإطار الإنساني، وصيروه عبدًا مطيعًا لهم، فما أروع أصحاب اليقين والثبات والقيم وإن تقلبت أحوالهم تغيرت وتبدلت، لأنهم يعيشون الإيمان الكلي، والواقع الصحيح، بعيدًا عن براثن الزيف والغل والحقد والحسد والانحراف، كرام ومناقبهم الأخلاقية عالية، ما عندهم وجل ولا خداع ولا دجل، وجوههم واحدة واضحة وبائنة، ولا يعرفون مطلقًا لبس الأقنعة.