أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: التاريخ الفكري المخزي للأمة عندما تخلفنا أجبال وترى من أمثال زبالات أدونيس وما يصاحبها من ترويج نقدي، ثم ترى أنوثةً صارخةً في وعي الشبيبة العربية، وفي تلقّيها.. وإن سررنا بوعي عربي مبكر: فلا بد من توجّه إلى النقد التفسيري من خلال منهج النقد الجماعي التعاوني؛ وحينئذ نرى لدى المثقّف العربي كثيراً من الصور والاستعارات والأقنعة والمرايا والزّخم الثقافي.. يرى كل ذلك في نصاب الوضوح والفضول إذا وجد مفتاحه بيسر في هموم الطائفية والشعوبية.. إنّ بعض المثقفين العرب سابقاً: يرون أنّ المثقف العربيّ قيم فنية عالمية لا يترك مضمونها للتوجه الطائفي، بل يلتمس نموذجاً أدبياً حداثياً بروح عربية وهموم إسلامية.. ويوم يوجد هذا الوعي يكون المثقف العربي قادراً على المصادرة الفعَّالة التي يعجز عنها أي جهاز رقابي للأمن الفكري: يصادر الأفكار الطائفية؛ لأنه لا يؤمن بها، ويصادرها؛ لأن عنده البديل، ويصادر الصّنمية؛ لأنه يرفض العمالة أدباً وفكراً، ولأن من شرط التكريم بعد الموهبة الولاء للأمة في دينها وتاريخها وكيانها.. والشباب العربيّ اليوم -بحمد الله - عرف حقّ المعرفة حقيقة عدوّه الشعوبيّ؛ وكانوا قبل ذلك يلومونني.
قال أبو عبدالرحمن: رحم الله السيد الشريف (علي بن الجرجانيّ).. الضّم على الحكاية.. (740- 816) هجريّاً]؛ فقد ذكر جملة من المعاني الاصطلاحية للعلم؛ فقال: ((العلم هو الاعتقاد الجازم، المطابق للواقع: وقال الحكماء: هو حصول صورة الشيء في العقل.. والأول أخص من الثاني: وقيل: العلم هو إدراك الشيء على ما هو به.. وقيل: زوال الخفاء من المعلوم، والجهل نقيضه.. وقيل: هو مستغن عن التعريف.. وقيل: العلم صفة راسخة، تدرك بها الكليات والجزئيات.. وقيل: العلم، وصول النفس إلى معنى الشيء.. وقيل: عبارة عن إضافة مخصوصة بين العاقل والمعقول.. وقيل عبارة عن صفة ذات صفة.. وقيل ما وضع لشيء، وهو العلم القصدي.. أوغلب [قولهم]: الاتفاقي الذي يصير علماً لا بوضع واضع، بل بكثرة الاستعمال مع الإضافة أو اللازم لشيء بعينه: خارجاً، أو ذهناً ولم تتناوله السببية)).. (انظر كتابه التعريفات) ص199.
قال أبو عبدالرحمن: لا يصح أن يكون الاعتقاد علماً وإن كان جازماً مطابقاً للواقع، بل يعني صحة الشيء المعتقد [بصيغة اسم المفعول]، ولا يعني أن الاعتقاد علم؛ لأن من حقيقة العلم أن يكون بطريق يقيني؛ وكم من اعتقاد جازم يكون عن تقليد وضلال ووهم كاعتقاد أهل البدع، ولأن العلم تصحيح عقلي قبل أن يتحول إلى عقيدة قلبية.. وكم من عقيدة لم يصححها العقل.. والمطابقة للواقع إذا وقعت مصادفة دلت على صحة الأمر الخارجي، وأن اعتقاده بطريق غير علمي؛ فلا يكون علماً.. وحصول الصورة في العقل تكون علماً إذا كانت بتصحيح العقل، والحصول يكون بالرؤيا، وبالإلهام، ولا يكون ذلك علماً حتى يصححه العقل: إما بعصمة ذي الرؤيا أو الإلهام، وإما بوقوع ذينك بشهادة العقل، ولم يبيِّن الجرجاني وجه الخصوص والعموم بين تفسير العلم بالاعتقاد وبالحصول.. فإن كان وجه الخصوص عنده قيد المطابقة للواقع في الاعتقاد؛ فحصول صورة الشيء في الذهن مطابقة للواقع أيضاً؛ فلا خصوص ولا عموم.. وإن أراد بالخصوص قيد (الجازم)، فالجزم مقطوع به في (الحصول).. والصواب عندي أن الأمرين متغايران؛ فالأول عن عمل القلب، والثاني عن عمل العقل، وتعريف العلم بإدراك الشيء على ما هو به: لا يضره استعمال الإدراك مرادفاً، ولكن ينقصه التقييد بطريق يقيني، وتعريف العلم بزوال الخفاء من المعلوم: يقتضي أن يكون المعلوم واضحاً، وليس هذا بصحيح؛ فكم من يقيني خفي لا يدرك إلا بغموض وصعوبة وتركيب براهين وطول استنباط.. فإن أريد بوال الخفاء تعيَّن المعلوم بزوال أي احتمال معتبر؛ فهذا وصف حقيقي للعلم، ولكنّه ليس تعريفاً له؛ لأنّه لا بد من رد الأمر إلى إدراك العقل، ورد زوال الخفاء إلى طريق يقيني مع قيد المطابقة للخارج؛ وإلى لقاء عاجل إن شاء الله تعالى مع هذه الدرر, والله المستعان.