د.سالم الكتبي
أستطيع أن أكتب الآن شبه متيقن بأن ما قبل قمة مجموعة السبع شيء وما بعدها شيء آخر بالنسبة للأزمة الإيرانية؛ فما شهدته هذه القمة من تطورات متسارعة لم يكن مفاجئًا لي شخصيًّا، وبالتبعية للكثير من المراقبين والمتخصصين في شؤون منطقة الخليج العربي؛ فسيناريو «الصفقة» قائم وخيار حتمي للأطراف جميعها.. وما يحدث ـ كما قلت في مقالات سابقة ـ أنه يُطبخ على نار سياسية هادئة. وبطبيعة الحال فإن درجة حرارة «الطبخ» يجب أن تتناسب مع «المذاق» الذي يريده كل طرف. ومن هنا يأتي التسخين والتبريد القائم في الأزمة!
بمساعدة من الرئيس الفرنسي ماكرون يبدو أن الطرفين الإيراني والأمريكي قد هبطا من أعلى قمة الشجرة التي صعدا إليها بتبادل التهديدات والرفض الكلامي الإيراني المعلن للحوار مع إدارة الرئيس ترامب، وها هو الرئيس الأمريكي يعلن استعداده للقاء الرئيس حسن روحاني في «ظروف مناسبة»! ولا يجب أن ننسى هنا أن الرد الإيراني كان جاهزًا؛ إذ قال روحاني - من جهته - إنه مستعد للقاء أي شخص إذا شعر أن ذلك سيفيد إيران. وأضاف: «إذا كنت متأكدًا من أن حضور جلسة أو عقد اجتماع مع شخص ما سيساعد في تطوير بلدي، وحل مشكلات الناس، فلن أتردد في القيام بذلك».
الكلام واضح، ولا يحتاج إلى تحليل أو تفسير سياسي، إنها إرهاصات ومقدمات تذكرنا بما سبق قمة الرئيس ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون؛ إذ انتقل الجانبان من تبادل السباب والشتائم إلى الإشادة والترحيب بلقاء ثنائي! ولم يتبقَّ بالنسبة للسيناريو المماثل مع إيران سوى صدور ترحيب من طهران باللقاء مع الرئيس الأمريكي تحديدًا في الموعد والمكان اللذين سيتم الاتفاق عليهما، وهو ترحيب قد يتأخر قليلاً أو كثيرًا، وهذا يتوقف على حصول وكلاء المرشد الأعلى في إدارة السياسة الإيرانية على «ضوء أخضر» من قمة هرم السلطة، ومَن بيده القول الفصل في الشؤون العليا للبلاد.
الفارق بين الحالتَين الكورية الشمالية والإيرانية أن في بيونج يانج سيدًا واحدًا يتحدث ويهدد ويهادن ويصعّد ويناور ويحاور، وفي إيران أيضًا سيد واحد بيده الأمر والنهي، ولكن هذا السيد لا يظهر في المقدمة دائمًا، بل يفضل إدارة اللعبة من وراء الكواليس، ويقوم بتوزيع الأدوار وفق نسق متقن للغاية، يستهدف من خلاله انتزاع أقصى مكاسب استراتيجية ممكنة من الطرف الآخر؛ لتتاح له فرصة المناورة والالتفاف، ونسف أي تفاهم أو اتفاق قد يتم التوصل إليه بمشاركة الرئيس الإيراني أو وزير خارجيته!
المهم الآن أن لدينا معطيات جديدة في ملف الأزمة الإيرانية، وأكثرها أهمية أن الرئيس ترامب بات يمتلك - عقب اجتماعات مجموعة السبع والزيارة المفاجئة التي قام بها السيد ظريف إلى مكان الاجتماع - ما وصفه بـ»مشاعر إيجابية» حول احتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران. والأهم من هذه «المشاعر» - من وجهة نظري - أن الرئيس الأمريكي قال في مؤتمر صحفي مشترك مع الزعيم الفرنسي إيمانويل ماكرون إن «إيران اليوم ليست الدولة نفسها التي كانت عليها قبل عامين ونصف العام عندما توليت منصبي».
هذا الحديث يعني بالضرورة أنه تم التوصل إلى «تفاهم» ما حول الخطوط العريضة الرئيسية للصفقة. فعندما يقول الرئيس ترامب أن إيران اليوم ليست الدولة نفسها التي كانت عليها قبل عامين ونصف العامين عندما تولى منصبه فإن هذا يعني تمامًا أنه أنجز المهمة، وأخضع نظام الملالي، وحقق الهدف المراد من العقوبات الاقتصادية، وأنه جاهز «الآن» تمامًا لتوقيع اتفاق؛ بدليل أن لديه الحجج والمبررات التسويقية لإقناع الشعب الأمريكي بالاتفاق المزمع.
يُفهم من ذلك أيضًا أنه تم التوافق حول جوهر الاتفاق، وأن ما سيجري لاحقًا هو الاتفاق على التفاصيل بعد الحصول على رأي إيران النهائي؛ لأننا نعلم جميعًا أن موافقة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لا تعني مطلقًا موافقة المرشد الإيراني الأعلى؛ وبالتالي فالكرة الآن بعد قمة السبع في الملعب الإيراني، وتنتظر إطلاق خامنئي صفارة بداية التجهيز لتوقيع الصفقة.
هل يعني ما سبق أن سيناريو اتفاق 2015 سيتكرر بتفاهم الغرب مع إيران من دون دور خليجي؟ الأغلب والأرجح والشواهد تؤكد أن مخاوف دول مجلس التعاون وصوتها لا تزال بحاجة إلى دفعة قوية؛ كي يمكن الاستماع إليه من العواصم الغربية الكبرى.