مها محمد الشريف
إن حالة الاضطرابات السياسية الحالية التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا آخذة بالتكشف والظهور بعد التدخلات الإيرانية، وسياستها الإقليمية غير المتوافقة مع محيطها الإقليمي، ولكن من خلال اللاعبين الكبار على إستراتيجية عميقة ستكون الأحداث التكتيكية اليومية محط أنظار واهتمام العالم، حيث ترصد نتائج العقوبات المفروضة وتحرير الممرات المائية من قرصنتها، فهناك سيناريو محكم تحول من فيلم إلى مسلسل طويل اختاروا له اسم «الحفاظ على أمن الخليج واستقراره» يعرض لنا كل يوم حلقة جديدة أحداثها بطيئة والحبكة والصور التعبيرية تتناغم مع عدم ثقة المتلقي أو المتابع.
لو نحينا كل ذلك جانبا ودخلنا في الدائرة الضيقة التي تسمى حوارًا مع إيران والعمل الحثيث لإعادة انتشار القوات الأمريكية في الخليج لمراقبة المنطقة، وإضفاء مزيدٍ من الحذر من عبث إيران في إدارة الإرهاب، وإخفاء جميع الحقائق باستثناء المسائل العالقة التي يجري التفاوض بشأنها، وهذا يأخذنا إلى التساؤل: إيران تخدم من؟ هل تم سحبها إلى الفخ من أجل أن يجدوا مبرراً للانتشار من جديد في الخليج؟ أم أن الغرب يريد التموضع بالخليج لمنع الصين مستقبلا من بناء مصالح لا يمكن حمايتها إلا بتواجد عسكري صيني بالمنطقة؟
لماذا تعتبر أمريكا إيران بأنها الخطر المرعب والكبير وبرنامجها النووي يهدد العالم؟، وهي في الحقيقة لا تستطيع المواجهة فجميع حروبها بالوكالة وتعمل على تصدير الثورة، والرئيس الإيراني، حسن روحاني، يتوعد ويهدد، بأنه إذا تم منع إيران من بيع نفطها فإن الممرات المائية الدولية لن تكون آمنة.
بينما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هيّأ الظروف للقاء بين ترمب وروحاني واستطرد قائلاً: «لم يتم فعل شيء، والأمور في غاية الهشاشة»، عن ماذا سيخبرنا ماكرون وسط تناقضات النظام الإيراني؟ ولكن كرر ترامب بذلك الموقف الذي أكده الرئيس ماكرون، وهو أن قادة دول مجموعة السبع يتشاركون الأهداف نفسها بشأن إيران لكن إستراتيجيتهم بصدد الملف الإيراني متباينة.
لا أحد يجادل بأن الإستراتيجيون الأمريكيون يرون منذ سنوات أن إيران لا تزال مرتبطة بأوروبا وبطرق معقدة عديدة تهدد فيها الأوروبيين بتقليص التزاماتها بالاتفاق النووي إذا لم يتحركوا، تداخلت مصالح الدول العظمى مع طهران ونظامها حتى في حربها مع العراق عام 1988 كانت لها فوائد أيضًا على الصين وتعتبر المستفيد الأكبر من الحرب في العراق حيث تحولت من مجرد قوى إقليمية ناشئة، إلى تجارية ضخمة بدرجة كبيرة في النفوذ السياسي في العالم النامي وشراء المواد الأولية، و اتخذت اتجاهًا جادًا لا يقتصر على دخولها إلى منظمة التجارة العالمية WTO وهذا التحول يؤكد ذلك بتفوق اقتصادها على اعتبارها النقطة الهامة المطابقة لقوى عظمى اقتصادية لها تأثيرها المالي الكبير على الاقتصاد العالمي. بل أصبحت أكبر قوة عظمى حقيقية في العالم.
هذا هو الطريق الذي يسلكه الغرب لحماية الملاحة في المضائق وأمن الخليج والأحداث التكتيكية اليومية التي تطالعنا بها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام، وإشعال الساحة السياسية بتصريحات متناقضة، ومنسقة أحياناً بطرق مختلفة تتناغم مع ضجة إيران وفوضى كونداليزا رايس الخلاقة، ولكن سرعان ما تتبلور المواقف وتتكشف النوايا.
في ظل حرب اقتصادية شرسة مورثة للخلافات والنزاعات يكتنفها الخلل والفوضى من كل جانب وما زال العمل قائمًا على إذكاء الصراعات في المنطقة، تحيط بمناطق الطاقة والنفط بتكتلات وجيوش وقواعد عسكرية وصراع قوى كبرى لحماية مصالحها، علما أن الهدف هنا هو أمن الخليج وتقزيم أدوار إيران، لأن المشهد لا يخلو من أهداف كانت بعيدة اقتربت من التنفيذ والجميع يدرك أهمية نتائجها كما أدركها العالم بعد خراب العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وقبلهم فلسطين.