د. فوزية البكر
عام 2005 أصدرت كتابي (مدرستي صندوق مغلق) الذي كنت أحاول فيه بحث ما يحدث داخل المدارس وفي الفصول الدراسية المغلقة سواء تعلق الأمر بدور المعلم أو بالمناهج أو بطرق التدريس.
اليوم نتساءل؟ هل ما زالت هذه الصناديق المغلقة في المدارس لدينا هي نفسها النماذج السائدة اليوم؟
مع بدء العام الجديد لم يعد بمقدورنا البقاء داخل الصندوق بل لم يعد حتى مقبولاً الدعوة للنظر خارج الصندوق.
في الحقيقة: لا وجود للصندوق اليوم. لماذا؟
لأن الحقائق العلمية والتكنولوجية والسياسية المتسارعة تدعونا إلى ترك الصندوق نهائيًا والتفكير تمامًا خارج حدوده.
التسارع التكنولوجي والمعلوماتي لم يبق صندوقًا إلا نثره خارج إطاره سواء تعلق الأمر بالعلم، بالتكنولوجيا، بالاقتصاد والتجارة، بالسياسة الخ.
اليوم لم يعد الفندق هو الخيار المتاح للسفر فهناك مئات الخيارات التي أنشأها أفراد وأصبحت شركات كبرى مثل بي بال.
اليوم لم يعد التسوق مشروطًا بالذهاب إلى المتاجر ونمت التجارة الإلكترونية إلى حدود غير مسبوقة.
اليوم لم يعد التعلم والدرجات العلمية متاحين عبر المؤسسات الأكاديمية فقط بل يمكن لأي فرد في أي بقعة وفي أي وقت تعلم ما يشاء إذا ما أتيحت له نعمة الإنترنت وشيء من الإجادة لبعض اللغات المتسيدة.
اليوم لا نستخدم القلم ولا الورقة ولا نستخدم الرزنامة أو الخرائط الورقية و لا نحتاج إلى المصرفي في البنك للحصول على نقود ولا نحتاج إلى حمل عملات ورقية لدفع مصروفاتنا وقد توافينا روشتة الطبيب ونحن في مقاعدنا الوثيرة داخل منازلنا وهكذا آلاف المتغيرات التكنولوجية التي تزاحم تفاصيل حياتنا اليومية فهل مدارسنا ومعلمونا وجامعاتنا مستعدة لهذه الهبة التكنولوجية الصاعقة على كل
الأصعدة؟
يذكر توماس فريدمان الصحفي الشهير في النيويورك تايمز في محاضرته التي ألقاها في لندن بدعوة من مجموعة الانتجلينت سكوير في مارس 2019 أن هناك ثلاثة قوي تؤثر بشكل كبير في العالم كما يرى وهي:
العولمة الرقمية حيث تم تحويل كل سلعة إلى حسابات رقمية داخل كمبيوتراتنا سواء تعلق الأمر بسلعة أو تعليم أو جيوش أو سياسة أو مغامرات أو بيع وشراء الخ مما نراه اليوم حولنا.
المؤثر الثاني وهو البيئة من حولنا التي يهدد بقاءها السلوك البشري ولذا فيه تتحول بسرعة متزايدة إلى مزيد من الجفاف والحرارة بدرجة تهدد أجزاء كبيرة من بقاع الأرض التي تشهد سونامي أثر آخر سواء في اليابان أو إندونيسيا أو الفلبين وغيرها من بقاع الأرض عدا مظاهر التصحر والجفاف وندرة الأمطار أو البرودة الشديدة والثلوج المتزايدة التي تزداد باستمرار وتهدد بمزيد من الفيضانات واجتياح المدن.
الثالث وكما يرى فريدمان هو ما يسمى: قانون موريس الذي أوجده عام 1965 الشريك في شركة انتيل جوردن موريس والذي تنبأ بأن الميكرو شيب في الكمبيوترات ستتضاعف طاقتها في التخزين ويصغر حجمها مع بقاء سعرها كما هو كل عامين.
هناك من يتحدى هذا القانون الآن لكن من يشاهد السرعة الهائلة لنمو التكنولوجيا حولنا وتدخلها في أدق الأشياء من حولنا سيدرك حجم التغير الذي يطرأ علي تكنولوجيا اليوم بحيث تكون مضطرا للاستغناء عن هاتفك المحمول لاستبداله بأحدث وأقدر كل ستة أشهر إن لم يكن أقل.
يذكر فريدمان أن هذه العوامل الثلاثة الرئيسة ستؤثر في كل شيء حولنا لكن على الأخص في: السياسة المحلية والخارجية، في التجارة، في الأخلاق (الشخصية والأخلاق العامة والأخلاق التجارية والطبية والعلمية على وجه الخصوص) وأخيرًا ستؤثر بشكل لا يمكن صده في المجتمعات المحلية والعالمية سواء في سبل عيشها أو تعلمها أو تجارتها أو صراعاتها التي قد تدمر العالم.
السؤال الآن: هل نحن مستعدون لكل ذلك؟ مرة أخرى هل مدارسنا تعد طلابنا بدرجة تجعلهم قادرين على الغوص والتعلم ثم البحث عن لقمة عيشهم بسلام في عالم اليوم؟ هل معلمونا مؤهلون لكل هذه التحديات التكنولوجية والأخلاقية التي يفرضها عالم ما بعد الذكاء الاصطناعي؟
سأترك الإجابة لكم.
أ.د البكر. فوزية. (2016) (الطبعة السادسة) مدرستي صندوق مغلق: أهم الاتجاهات المعاصرة في مجال اجتماعيات التربية. مكتبة الرشد. الرياض.