د. محمد بن صقر
أن يعرض عليك وظيفية معينة وبمواصفات استثنائية ليس بالأمر العجيب لكن أن تكون هذا الوظيفة ذات انحطاط قيمي وأخلاقي فهنا يكمن التعجب ويرتفع الحاجبان من الدهشة، وتضرب الكف بالكف وتبدأ الاستفهامات عن اسم تلك الوظيفة ونوعها وأهدافها وما مواصفات الذي يعمل فيها والكثير من التساؤلات التي تقفز إلى عقلك هذا ما سنتناوله في هذا الأسطر من هذا المقال فقد كنت في سفر لدولة أوروبية لحضور برنامج تعليمي والاستفادة منه وهناك التقيت مع أحد الأشخاص من الجنسية العربية ودار بيننا حديث وحوار في كثير من الموضوعات وكعادة العرب يحبون الحديث عن السياسة ويرون أنها مدخل لكل حوار اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي فهذا عرف لدى العرب وهم مشترك بين أبنائه فهم يحملون مشكلاتهم السياسية ويجيبون بها أصقاع الأرض لمناقشتها ووضع الحلول والاستراتيجيات التي تبدو في كثير من الأحيان ضربًا من الخيال المهم أن هذا العربي وفي طيات حديثنا ذكر لي قصة زميل له من نفس الجنسية تواصل معه وطلب منه شيئًا غريبًا على حد قوله وهو أنه أثناء مؤتمر دولي حضر فيه أحد المسؤولين الخليجيين وحسب قوله كان الطلب أن يوجه بعض الأسئلة لهذا المسؤول الخليجي الهدف منها استفزاز ذلك المسؤول وتسليط الضوء على قضايا تثير المشكلات السياسة واختلاق أزمات وزرع فتن بين الدول، وعندما رفض صاحبنا العربي هذا الطلب عرض عليه صديقه مبلغًا من المال ليس بالقليل وطلب منه أمرًا آخر وهو أن يحمل لافتة ويجمع مجموعة من الأشخاص للمظاهرة ويكتب عليها بعض العبارات التي تشير إلى اعتراض لسياسة تلك الدولة وأنهم يتبعون لمنظمات حقوقية ومجتمعات مدنية هدفها السلام الدولي وذكر (أصحابه سيدفعون مبالغ ممتازة) مقابل هذا العمل ولكن صاحبنا العربي رفض هذا العرض وقال: إنه ليس (مرتزقًا) وأخبر المسؤول الخليجي بالقصة وما دار فيها، إلى هنا انتهت القصة المروية لي في هذا اللقاء وقد قادني هذا الطرح إلى أسلوب قديم، قد تناولته في مقال سابق وهو أنه خلال الحرب الباردة كان عدد الأشخاص في الكتلة السوفييتية الذين يعملون في آلية المعلومات المضللة والمشوهة والمثيرة للقضايا من قبل المرتزقين أكثر من الجيش السوفيتي وصناعة الدفاع، وكان لمجتمع الاستخبارات التابع للكتلة وحدها أكثر من مليون ضابط، وعدة ملايين من المخبرين في جميع أنحاء العالم، شاركوا جميعًا في خداع الغرب - وشعوبهم - وأيضًا يضاف إليهم الأشخاص الذين يعملن لصالح منظمات التضليل الدولية التي أنشأها الـKGB سرًا، وكانت هذه المنظمات تقع خارج الاتحاد السوفييتي، وتتظاهر باتخاذ كيانات دولية مستقلة، وكيانات تدعي الاستقلالية وتحت مسميات مجتمع مدني أو نقابات أو جمعيات أو منظمات غير ربحية، تدعمها بذلك الماكينة الإعلامية وتطلق شعارات تتوافق مع التعاطف الفكري لشعوب العالم من أجل خداعهم، ما جعلني أتطرق لهذه القصة هو أن وظيفة المرتزق هي وظيفة لها شروط ومواصفات معينه أهمها (عبد للدينار والدرهم- ليس له مبدأ متقلب الرأي - مثير للقضايا - يؤمن بأن التفرقة بين الشعوب هي قوته الذي يعيش بسببها - لا يعرف مفهوم المواطنة، ويطفو على السطح وقت القضايا ويختفي أثناء السلام، يفتخر بكونه مرتزقًا ينقلب على صاحبه بمجرد وجد شخصًا يدفع له أكثر) جميع هذا المواصفات وجدتها في أنصاف الإعلاميين في قناة الجزيرة التي تحاول تجنيد هذه الفئة من الأشخاص (المرتزقة) الذين سوف ينقلبون ذات يوم على حاضنتهم وقناتهم والشواهد في ذلك كثيرة لمن أراد أن يتأكد، وهنا استذكر بيتًا من الشعر لابن المشرف وجدته أنه ينطبق عليهم:
ومن يصنع المعروف في غير أهله
يلاقي كما لاقى مجير أم عامر