علي الخزيم
العادات والتقاليد القَبَلِيِّة والشعبية والمناطقية كالتي تمارس بالمناسبات والاحتفالات؛ وحتى عند قِرَاء الضيف وتكريم الوفادة وغيرها؛ هي كالكائن الحي تتغير وتتطور تبعاً للبيئة المعاشة والزمن القائم والثقافة الجَمْعِية الراهنة، فبرأيي - ولا انفرد به - فهو مما يتحدث به السُّمَّار بمجالسهم والركبان بترحالهم كموضوع للنقاش بما يُباح للجميع تناوله وإبداء الرأي حوله، وكظاهرة اجتماعية تَمُس الوعي والثقافة العامة للمجتمع؛ فإن المتغيرات عبر الحقب الزمنية مدعاة للتأمل والبحث والتداول بما يمكن أن يكوِّن رؤيةً آنية عصرية لتمازج تلك العادات بجمالها التَّليد مع الحاضر الجديد بما لا يفقدها رونقها وأصالتها ولا يدعو للتنصل منها والدعوة لتركها.
من ذلكم ممارسة عادة إطلاق نيران الرشاشات الآلية بالأفراح ببعض المناطق وبشكل وكثافة مبالغ بها تدعو للدهشة احياناً لما يتخللها من مخاطر على الأرواح والممتلكات، ثم إن خسائر إقامة الاحتفالية ذاتها كافية ولا تستدعي المزيد من المال المدفوع قيمة للأسلحة والرصاص المستهلك المتطاير بالهواء دون أي مردود، ثم لو أعملنا الفكر قليلاً لنتساءل: ما الهدف والمعنى لإطلاق النار الهائل بتلك الأمسيات؟! هل هو لإظهار قوة القبيلة وإمكاناتها، ومهارة شبابها وفتيانها باستخدام السلاح، أم أنه الكرم القبلي الذي يتعدى المآدب ويعلو على قصائد الشعر الجميلة بالمناسبة السعيدة! كل هذا جيد وجميل وتراث راقٍ أصيل، غير أن بطولات القبيلة تذوب تحت راية الدولة صانها الله، وكل بطولة ومهارة حربية تنضوي تحت قيادة موحدة يسوسها ولي الأمر أيده الله بنصره، وليس لقبيلة أن تتفاخر على غيرها أو تقلل منها، والكرم عادة عربية متأصلة لدى قبائل العرب قاطبة وبهذا يُعرف العرب كلهم بين الشعوب، وإن كانت المبالغة بما يُقَدَّم بالأفراح من الأطعمة مثار جدل وخلاف؛ فإن إطلاق النار لا خلاف على خطره وضرره من نواحٍ عدة، منها أنه قد يُستغل لتصفية حسابات بين طرفين بما يُعد جهلاً وعدم تقدير للعواقب، كما يجب التفهم وحساب التكاليف والمخاطر الأخرى المترتبة على مثل هذه الأعمال، وما ينجم عنها - لا قدر الله - من مشكلات ونزاعات وتحمّل للديات، والآثار النفسية على الأفراد وتفكك العلاقات بين الأسر والجماعات.
ما أجمل تلك المناسبات والاحتفاليات التي يتمتع بها المحتفلون والحضور بقصائد شعر الرد والتحاور الشعري اللطيف، البعيد جداً عن النعرات القبلية والتلميحات التي تُمجِّد القبيلة وتُعْلِيها فوق بقية القبائل وكأنها أخذت صكَّاً إلهياً مقدساً ينزهها عن العيوب والنقائص البشرية؛ والعياذ بالله من الطغيان وتزكية النفس الأمارة بالسوء، التعنصر لعرق أو جنس أو لون هو مما تمقته كل الشرائع ولنا قدوة حسنة بالرسول المصطفى وصحبه الكرام كقصة أبي ذر حينما نال من أحد الصحابة ومن لون بشرته؛ فقال المصطفى: إنك امرؤ فيك جاهلية! وحينما يصدر هذا الاعتراض والتوجيه والتوبيخ من سيد البشر المعصوم تجاه اصحابه؛ فكيف بنا (ونحن لم نبلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه)؟!
نُكثر الحديث والتغريد والتدوين والرسائل الإلكترونية عن مثل هذه الظواهر، لكننا نتغافل مع قرع الطبول بالأمسيات!