عبدالعزيز السماري
يمر المجتمع في مرحلة انتقال من زمن إلى آخر، بعد ما اتسعت قليلاً درجات الاختيار إلى حد ما، ويبدو أن هناك خاسرين في هذا التحول، ويأتي في مقدمتهم المتطرفون، الذين يحاولون فرض أفكارهم على الناس من خلال السيطرة التامة على عقول الناس في المجتمع، وهو ما يلغي تمامًا المساحة الضيقة للاختيار الموجودة قبلاً في المجتمع.
لكن يبدو أن هناك خاسرًا آخر، وهو الشعر الشعبي أو شعر النثر، فقد وصل في بعض فتراته إلى مرحلة الهوس الجنسي، وإلى أن يتغنى في «طرحة» المرأة، وأن ينظم القصائد في كحل العيون والبراقع، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقد أفرد الشعر مساحات للهوس بالذرعان والرموش..
بمراجعة سريعة للشعر الغنائي خلال العقود الخمسة الماضية ستجد أن الهوس بالمرأة كان الموضوع الرئيس في الشعر الغنائي، وكانت سببًا لخروج سوق سري لبيع قصائد الغزل للأثرياء، وكان هناك نسبة قليلة من الأغاني الوطنية، بينما اختفت مختلف أغراض الشعر الأخرى في مجتمع الجزيرة المحافظ.
وقد نحتاج إلى دراسة لحصر نسب الغزل في الشعر الشعبي، ربما تسهم في فهم سيكولوجية البيئة الصحراوية المحافظة وتأثيراتها على العقل والغرائز، وما علاقة ذلك بالمحافظة المتشددة، حيث توجد بالفعل علاقة طردية في علم النفس بين الهوس الجنسي والمحافظة، فكلما ارتفعت درجات المحافظة ترتفع درجة التفكير الفانتازي بالجنس والمرأة، ويؤثر ذلك في المجتمع، ويزداد الهوس بها بتحول أدوات الشعر والنثر لخدمة الهوس النفسي في المرأة، وبالتالي تصبح أطرافها وعباءتها وأقدامها وذرعانها مواد لإدمان هذه الحالة.
خطورة هذه الأمر تبدو في اعتبار المرأة رمزًا جنسيًا، وهو ما يزيد من حالتها النفسية سوءًا، ولذلك أسهم تخفيف القيود في انخفاض درجات الهوس بالمرأة مرمزًا جنسيًا، وأثر هذا التحول نفسيًا عليها، فقد ازدادت عمليات التجميل إلى درجة غير طبيعية، ذلك من أجل استعادة رمزيتها المفقودة نوعًا ما، بعدما خرجت من التابو وأصبحت تصرفاتها وسلكوها طبيعية ومكشوفة وظاهرة.
السؤال هو عن كيف نعيد تأهيل النظرة الصحيحة للمرأة كشقائق للرجال، وليس كرمز للهوس الجنسي، أو كسلعة إعلامية للكسب المادي كما يحدث في السينما الغربية، أرى أن ذلك يبدأ من المدرسة ومن خلال رفع درجات التعليم والوعي بين الأجيال الجديدة، وإعداد مناهج توضح العلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأه وحقوقهما..
طلبي الأخير للشعراء وأشباه الشعراء أن يبدأوا في البحث عن موضوعات أكثر تحضرًا من مطاردة نظرة الطرف الحزين وملابس المرأة وأطرافها وغيرها من أدوات الهوس الجنسي النفسي، فالمرأة هي أختك وزوجتك وأمك قبل أن تكون فتاة الهوى التي تمشي على الرصيف المقابل..