عبد الله باخشوين
مفهوم صدمة الابن (المراهق) بدناءة وخسة (الأب) التي جسدها دستويفسكي في رواية (الإخوة كارامازوف).. بالمعني الإنساني الذي ذهب إليه في مقولته (الشائعة) التي أطلق عليها علم النفس مقولة (قتل الأب) بناءاً على أحداث الرواية حيث يقوم الابن غير الشرعي لـ(كارامازوف) بقتله احتقاراً لدناءته وخسته. عاد -علم النفس- وقابلها بمفهوم آخر أطلق عليه اسم (قتل الرب) اعتمادا على أطروحات الفيلسوف الألماني (نيتشة) التي تقول بالإنسان (السوبرمان) الذي يتفوق على (الرب) المسيحي بتراخيه وتسامحه (أوصاف المسيح) ويتغلب عليه ويلغي دوره بمختلف مجالات تطوره التي تعتمد على القوة التي تبناها (هتلر) فيما بعد.. وانتهت إلى ما انتهت إليه.
من جانبي كنت قد فسرت (الإخوة كارامازوف).. بدلالة بسيطة أطلقت عليها.. اسم أو صفة (مراهقة الكبار).. وذلك قبل سنوات كثيرة من كتابة رواية بهذا الاسم.. وبناءاً على قراءتي لكثير من التحولات الاجتماعية التي أثرت في مجتمعنا منذ مطلع (الثمانينات).. كتبت ملخص لهذه (القراءة) في عدة صفحات وقدمته للدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير جريدة عكاظ التي عدت للتعاون معها منذ عام2000 ومابعدها.. وذلك لأخذ موافقته على تناول الموضوع بشكل (موسع) كقضية اجتماعية هامة تطرح انحرافات سلوك كثير من الآباء والأمهات.. الذي نتج عنه تشتت ذهني كبير لدى الأجيال الجديدة وأزعم أنه أحد الأسباب التي أدت للارتماء في أحضان بؤر التطرف الديني.
في تلك الصفحات القليلة (سوف أعود للبحث عنها وأحاول نشرها كموضوع) رغم أن الزمن تغير كثيراً.. وخرج أبناءنا من تشتتهم وحيرتهم بفعل خروجهم إلى مختلف أنحاء العالم للتعلم والاحتكاك الذي كان له أبلغ الأثر في الإسراع بإنضاجهم ووقوفهم على أرض ثابتة يسندها الوعي والمعرفة وتحققها التجربة.. حينها أبدى الدكتور هاشم اهتماماً سطحياً بالموضوع ولم أعلم أنه (وضعه) في (أرشيفه الخاص)....لكني لم أنسَ (الموضوع) لأن (الفكرة) نفسها كانت ذات تأثير نفسي كبير.. خاصة وأن (صداقتي) لأبنائي تدفعهم لأن يتحدثوا معي بصراحة وصدق.. جعلني على اطلاع على خبايا قصص وحكايات (تشيب الرأس).. وتطير العقل.. لأنها -بالنسبة لي- تكاد تكون غير قابلة للتصديق.. وكان هذا أحد أهم الأسباب التي دفعتني لكتابة رواية (مراهقة الكبار) وأحد أسباب خروجها عن البناء الروائي التقليدي واقترابها من البناء الصحفي حتى أنها تكاد تكون (استطلاع صحفي موسع) يخرج أيضا عن أسلوب الاستطلاع الصحفي التقليدي... وهي موجودة في (موقعي الخاص - الحفلة-) بعد أن تم رفضها من جميع دور النشر التي عرضتها عليها.
يأتي هذا الذي تقدم تعليقاً على موضوع الأسبوع الماضي (أولادكم أبناء الحياة) الذي أقرأتها إياه بعد إرساله للنشر.. واتفقت معها على أنه ربما يكون (أخس) موضوع كتبته في حياتي وأنه سيئ ولا يكتب بتلك الطريقة (البدائية الفجة).. وطلبت إعادة كتابة الموضوع وإعادة إرساله.. وفوجئت بنفسي أقول لها (لا أستطيع).. ولم أكن أستطيع بالفعل.. لأن مجرد التفكير فيه يثير حزني وسوف تحوله إعادة كتابته إلى (موضوع ثقافي) يلغي البعد الاجتماعي الذي أريد أن أذهب إليه.