مصعب الداوود
من سنن الحياة أن الأيام تتبدل، وأن الدول تتصارع، ويبقى في النهاية من يتحلى بالصفات الأخلاقية والإنسانية التي تؤهله لقيادة الناس إلى أيسر وأفضل الطرق لعيش رغيد، ولحياة آمنة مطمئنة، ولعل هذا الأمر ينطبق بوضوح جلي على تاريخ الدولة العثمانية الممتد لنحو 6 قرون، فالدولة في بدايتها اتجهت مسارًا أكثر هدوءًا من نهايتها، وذلك بسبب أن من حكم من السلاطين العثمانيين كانوا يهتمون بنشر الإسلام في وسط أوروبا عن طريق الفتوحات الإسلامية التي كانت استمرارًا لنهج التسامح واحترام عقائد الديانات الأخرى، وهذا ما حدث بالذات في فتح القسطنطينية التي تعد أعظم وأحصن مدينة في ذلك الزمان، فحيث دخل السلطان العثماني محمد الفاتح في عام 1453م إلى القسطنطينية إلا وخشي السكان النصارى وكذلك الرهبان من قيام جيش الفاتح بتخريب المنازل والصوامع، وإذا بهم يفاجؤون بأخلاق الإسلام تتمثل في صورة عجيبة، حيث تركوا لهم حرية ممارسة ديانتهم من غير إجبار على تغييرها، ولعل أشهر ما قاموا به هو تحويل كنيسة أياصوفيا إلى جامع تحول فيما بعد إلى متحف، ولو انتقلنا إلى نهاية أيام العثمانيين وتحديدًا في منتصف القرن الثالث عشر الهجري، ففي ذلك الوقت كان العثمانيون هم من يسيطر على معظم البلاد العربية ولكن كما يقال (بالسيف والنار) حيث محاربة كل ما هو عربي إضافة إلى هجومهم العنيف على الدولة السعودية من أجل ضم الحرمين الشريفين إلى مقدرات (الدولة العلية) ولقد بدأ تلك الهجمات في عام 1811 للميلاد، مما سبب ذلك في سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1818 على يد إبراهيم باشا الذي أخذ الأمير عبدالله بن محمد بن سعود كرهينة إلى إسطنبول حيث أُعدم هناك بعد أن أعطي الأمان وكان ذلك في عهد السلطان مصطفى الرابع، ولم تزل تتوالى تلك الهجمات حتى عمت أرجاء الوطن العربي وخاصة في بلاد الشام، حيث كان الوالي العثماني في ذلك الوقت وهو أحمد جمال باشا والملقب بالسفاح نظرًا لما قامت به دورياته العسكرية من ظلم وتعسف بحق الناس حتى أعدم العشرات من المثقفين العرب في سوريا ولبنان وذلك في عهد السلطان محمد رشاد، ومن المعروف أن جمال باشا كان معروفًا بنزعته اليهودية، حيث يعد من أحد أهم زعماء جمعية الاتحاد والترقي المدعومة من الماسونية العالمية إضافة إلى أنه كان مشهورُا ببغضه الشديد حيث لم يتورع عن إدخال أهل الشام وذلك عندما أدخلهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل تحت مسمى(السفر برلك) وذلك عام 1914، وحيث الظروف السيئة والمعاملة القبيحة من قِبل الأتراك، ولقد كان هذا جزءًا بسيطًا مما كانوا يقومون به من سياسة التخريب والمنع والصدام الدائم مع متطلبات الشعوب، ولعلك لاحظت عزيزي القارئ الفرق بين أحمد باشا والسلطان محمد الفاتح بشكل جلي.