م.عبدالحكيم عبدالله الخليفة
تشرفت بالعمل في قطاع الصناعات العسكرية بالمملكة العربية السعودية لأكثر من عشرين عاما، وتدرجت في عدة وظائف هامة اكتسبت من خلالها خبرة جيدة في هذا المجال الحيوي ..ومن خلال هذه الخبرة وانطلاقا من محبتنا لوطننا الغالي والقيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان- حفظه الله- أود أن أشير إلى توطين قطاع الصناعات العسكرية بالمملكة العربية السعودية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين وتعهد سمو ولي العهد بتحقيقها في إطار رؤية المملكة 2030 لتنطلق المملكة إلى آفاق التقدم في كافة المجالات وتتبوأ المكانة التي تليق بها على مستوى العالم..لقد غمرتني السعادة عندما تم الإعلان عن ذلك لأنها كانت أمنية تراودني في كل وقت أن أرى صناعة عسكرية محلية في بلادي لأن ما كان يتم سابقا هو عملية تقليد للصناعات الغربية، وكانت هناك عدة صعوبات تعذر معها التصنيع العسكري المحلي مثل البيروقراطية والروتين وعدم الجرأة على اقتحام هذا المجال الحيوي رغم وجود خبرات سعودية متميزة في هذا المجال وتوفر المواد الخام اللازمة للصناعة.
الحمد لله أن وفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ونجله سمو ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى هذه الرؤية الجديدة التي ستحقق طفرة هائلة في اقتصاد المملكة على مختلف الأصعدة.
اهمية توطين الصناعات العسكرية بالمملكة:
تأتي أهمية توطين الصناعات العسكرية في المملكة انطلاقا من كون المملكة العربية السعودية دولة محورية في العالمين العربي والإسلامي ودولة كبرى في منطقة الخليج العربي، ولها مكانة خاصة في قلوب ملايين المسلمين في شتى بقاع العالم لأنها بلد الحرمين الشريفين ومهد الإسلام الحنيف ..ومن هذا المنطلق وحفاظا على دورها الرائد في خدمة الإسلام والدعوة الإسلامية والحفاظ على ثوابت الدين والسنة النبوية الشريفة، على رسولنا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم، ودفاعاً عن قضايا المسلمين في كافة أنحاء العالم، ومن الأخطار المحدقة بالأمة الإسلامية عامة والمملكة خاصة مع تنامي الصراعات السياسية في المنطقة وزيادة ظاهرة الإرهاب والتطرف، فقد أصبح لزاما أن تعمل المملكة على تدعيم قدراتها في كافة المجالات وعلى الخصوص المجال العسكري والتقني من خلال تنمية القدرات العسكرية السعودية كماً وكيفاً عن طريق زيادة المهارات الفردية والجماعية للقوات المسلحة وتنوع الأسلحة والذخائر وتحديثها ..وفي هذا السياق يأتي الاهتمام بتصنيع مختلف أنواع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية محلياً والاعتماد على القدرات المحلية في إنشاء صناعة واعدة تفي بجانب كبير من احتياجات القوات المسلحة السعودية وتحقق قدرا كبيرا من الاكتفاء الذاتي وتقلل من الاعتماد على الخارج..ولقد بدأ الاهتمام بهذا الموضوع منذ عدة سنوات من خلال إنشاء مؤسسة عامة مختصة بالإنتاج الحربي يتبعها عدد من المصانع إلا أن خطة 2030 لتحديث المملكة وضعت هدفا استراتيجيا يتمثل في تصنيع نسبة خمسين في المائة من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية بحلول عام 30 20
تستهدف المملكة تحقيق ما يأتي:
1 - خفض النفقات عبر الدخول في شراكات مع شركات عالمية لتصنيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية محليا، وتجدر الإشارة إلى أن المملكة تعد من أعلى الدول في العالم إنفاقا على التسليح بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين حيث بلغ حجم إنفاقها العسكري عام 2015 نحو 82.2 مليار دولار بما يعادل نحو 5.2% من الإنفاق العالمي.
2 - الحفاظ على الأمن القومي السعودي بتوفير احتياجات القوات المسلحة من وسائل الدفاع لردع أي محاولة للمساس بأمن واستقرار المملكة أو تهديد مصالحها.
3 - استغلال المواد الخام المحلية في هذه الصناعات ومايترتب عليه من عوائد اقتصادية مرتبطة بعملية استخراج المواد الخام وتصنيعها.
4 - توفير الآلاف من فرص العمل لأبناء وبنات المملكة
5 - المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنحو 14 مليار ريال مع إمكانية التصدير إلى دول العالم وما يترتب عليه من تحقيق موارد إضافية للموازنة العامة وما يترتب عليه من آثار إيجابية.
6 - توفير الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية في أي وقت وعدم الاعتماد على الخارج تجنبا لأية ظروف دولية طارئة.
7 – نقل وتوطين التكنولوجيا الحديثة إلى المملكة وإعداد كوادر بشرية قادرة على التعامل معها واستثمار نحو 6 مليارات ريال في مجال البحث والتطوير.
نبذة عن الصناعات العسكرية السعودية:
جدير بالذكر أن المملكة تعتبر من أوائل دول الإقليم التي عملت على إقامة صناعات عسكرية وطنية حيث أصدر الملك المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود- رحمه الله- في عام 1949م أمره الكريم بإنشاء المصانع الحربية وبدأ أول خط إنتاج عام 1953 وفي عام 1985 تم تحويل المصانع الحربية الى المؤسسة العامة للصناعات الحربية وفي عام 2013 تم تحويلها إلى المؤسسة العامة للصناعات العسكرية وتضم خطوط إنتاج عدد 16 مصنعا تنتج أنواعاً مختلفة من الذخيرة الخفيفة والمتوسطة والقذائف وأجهزة التحكم والاستشعار والعربات العسكرية والناقلات والآليات المدرعة والطائرات بدون طيار والملابس والتجهيزات العسكرية المختلفة، في عام 2017 تم إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية SAMI التابعة لصندوق الاستثمارات العامة كما تم إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية التي تهدف إلى تنظيم قطاع الصناعات العسكرية وتطويره ومراقبة أدائه..
وذكر سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع إلى أن الشركة السعودية للصناعات العسكرية ستؤثر إيجابا على الناتج المحلي الإجمالي للمملكة وميزان المدفوعات لأنها ستعمل على زيادة المحتوى المحلي في الصناعات العسكرية وزيادة الصادرات وجذب استثمارات أجنبية عن طريق الدخول في مشروعات مشتركة مع كبريات الشركات العالمية..
من ناحية أخرى لاحظت المملكة أن الجهود المبذولة في جميع المجالات لا ترقى إلى طموحها المطلوب تحقيقه في الفترة القادمة على ضوء التحديات المتزايدة ، لذلك برزت الحاجة لإيجاد خطط مستقبلية واعدة للنهوض بالمملكة على جميع المستويات ، فجاءت رؤية المملكة 2030 التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- وأقرها مجلس الوزراء ويتم تنفيذها تحت إشراف ومتابعة سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد- حفظه الله-.
وتهدف رؤية المملكة 2030 إلى تحقيق نهضة اقتصادية شاملة في كافة المجالات وتنويع مصادر الدخل لتمكين المملكة من تحقيق رسالتها تجاه الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.
وفي إطار هذه الرؤية تم الإعلان عن هدف استراتيجي لتوطين الصناعات العسكرية السعودية عن طريق تصنيع ما لا يقل عن خمسين في المائة من الإنفاق العسكري على شراء الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية بحلول عام 2030.
ويشرف على تنفيذ الخطة سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الذي أشار إلى أن المملكة اتجهت الى تأسيس شركات حكومية لتصنيع الأسلحة لتكون عماد الصناعة العسكرية السعودية.. مؤكدا على أن المملكة تعمل على إعادة هيكلة الكثير من الصفقات العسكرية مع جهات خارجية بحيث تكون مرتبطة بصناعة سعودية بما يعزز من القدرات الذاتية للمملكة وأدوارها السياسية على الصعيدين الدولي والإقليمي.. منوها إلى أنه يجب أن يرتفع ترتيب الجيش السعودي في قائمة الجيوش على مستوى العالم من حيث العدة والعتاد وهو ما سوف تحققه عملية توطين الصناعات العسكرية عن طريق تصنيع المعدات العسكرية والذخائر محلياًلتتجاوز نسبة خمسين في المائة.
الإجراءات التي اتخذتها المملكة في إطار تنفيذ مشروع توطين الصناعات العسكرية:
- أجرى سمو ولي العهد وزير الدفاع عدة مباحثات مع مسئولي كبريات الشركات العالمية المتخصصة في مجال تصنيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية على اختلاف أنواعها في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وإسبانيا والهند وجنوب إفريقيا وغيرها لدراسة إمكانية التعاون معها في إقامة صناعة محلية داخل المملكة وعقد اتفاقيات التعاون المشترك وتوقيع مذكرات تفاهم معها.
- أبرمت المملكة على هامش زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- إلى موسكو في أكتوبر عام 2017 مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق بمبلغ مليار دولار للاستثمار في مجال التكنولوجيا.
وقامت وزارة الدفاع السعودية بتوقيع عقود مع الحكومة الروسية لتوريد نظام الدفاع الجوي المتقدم S 400، وراجمات الصواريخ وراجمات القنابل.
- كما تم الاتفاق على مجموعة من الاتفاقيات مع الجانب الصيني أثناء زيارة الملك سلمان الأخيرة إلى الصين بقيمة 60 مليار دولار وتشمل تصنيع الطائرات العسكرية بدون طيار.
- كما شهد معرض القوات المسلحة (أفد) الذي استضافته الرياض لدعم تصنيع قطع الغيار توقيع أكثر من خمس اتفاقيات عالمية في مجالات التقنية والصناعة العسكرية والفضائية لتأسيس شركات متخصصة في مجال نقل وتوطين تقنيات صناعة الطائرات العسكرية والمدنية والأقمار الصناعية والرادارات والطاقة النظيفة.
- وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية برعاية سمو ولي العهد وزير الدفاع مذكرات تفاهم مع عدد من الشركات العالمية الكبرى مثل بوينج، لوكهيد مارتن، رايثيون، جنرال دانيامكس، بهدف دعم عمليات التطوير في الشركة.
- في يناير 2018 تم توقيع عقد بنظام المشروع المشترك مع شركة تاليس الفرنسية بنسبة توطين 70 %.
- في مارس 2018 أبرمت الشركة اتفاقا مع شركة بوينج لتأسيس مشروع مشترك لتوطين أكثر من 55 % من أعمال الصيانة والإصلاح وعمرة الطائرات الحربية.
- كما تم توقيع اتفاقية مع شركة نافانتيتا البحرية الإسبانية في أبريل عام 2018 لتوريد عدد خمس سفن حربية بنسبة توطين قدرها 60 % وإنشاء مشروع مشترك يدير ويوطن كافة الأعمال المتعلقة بأنظمة القتال على السفن.
- وقعت الشركة في يناير 2019 اتفاقية لصناعة المركبات المدرعة مع شركة سى ام اى بنسبة توطين 50 %
- كما تم الاتفاق في فبراير 2019 على إنشاء شركة سعودية في مجال الدفاع البحري مع مجموعة نافال الفرنسية.
ويتضح من ذلك حجم الجهد المبذول لتنفيذ مشروع توطين الصناعات العسكرية بالمملكة وفقا لرؤية 2030 للنهوض بالجيش السعودي ليصبح في مصاف أقوى جيوش العالم.
أخيرا أود أن أؤكد على أهمية الملاحظات والاقتراحات التالية:
1 - أن يتم إسناد إدارة المصانع العسكرية إلى المتخصصين والمؤهلين علميا من ذوي الكفاءة والخبرة والحرفية العالية في إدارة جميع مفردات العمل وتحقيق التناغم المطلوب بينها وصولا إلى أفضل النتائج الممكنة هذا فضلا على القدرة والمهارة في إدارة الموارد البشرية على اعتبار أن العنصر البشري هو الركيزة الأساسية في تنفيذ الخطط والبرامج من أجل تحقيق الأهداف المرجوة والطموحة من رؤية المملكة 2030.
2 - ضرورة مراعاة البعد الإنساني في التعامل مع جميع العاملين في المصانع وتوفير الحوافز المادية والمعنوية والرعاية الصحية والاجتماعية لهم والتواصل معهم للتعرف على المشكلات التي تواجههم في مراحل العمل المختلفة وتذليلها وإشعارهم بأنهم شركاء في المسؤلية إلى جانب الاهتمام بزيادة الوعي لديهم من خلال برنامج توعية شامل ودائم وصولا في النهاية إلى العمل بروح الفريق الواحد وتوزيع الأدوار داخل المؤسسة وفقا لإمكانات العاملين وقدراتهم.
3 - أن يتم الاستعانة بالعاملين من ذوي الخبرة والمهارة في مجال الصناعات العسكرية من الدول العربية والإسلامية الشقيقة وغيرها ممن تتوفر فيهم الشروط والمواصفات اللازمة.
4 - الاستعانة بالعاملين السعوديين من مهندسين وفنيين من أصحاب الخبرة الذين عملوا في المصانع الحربية السعودية لفترات طويلة حيث إن العمل العسكري يعتبر شرفا لأبناء الشعب السعودي.
5 - إتاحة التدريب اللازم لتطوير قدرات العاملين من خلال برامج مع الشركات العالمية المتخصصة لتخريج كوادر بشرية قادرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة في مجال الصناعات العسكرية.
6 - كما أقترح في هذا السياق إجراء مسابقة في كل مصنع لاختيار (الفني الذهبي، والفني البلاتيني) من بين العاملين في المنشأة ومنحه جائزة ومكافأة مالية مناسبة ووضع صورته في لوحة الشرف والتميز ليتسنى خلق المناخ الملائم للتنافس الشريف بين العاملين للوصول إلى أفضل النتائج الممكنة.
7 - أن يواكب ذلك ضرورة صدور التعليمات التنفيذية بإلزام جميع الجهات العسكرية باعتماد شراء المنتج المحلي ليتسنى إعطاء الأولوية له بما يكفل دعمه وإعطاء دفعة قوية لهذه الصناعة الحيوية.
8 - ولا يفوتني أن أشير إلى ضرورة دعوة رجال الأعمال السعوديين للدخول في المشروعات المختلفة لتنفيذ رؤية المملكة باعتباره واجبا عليهم وأهمية إعطاء الأولوية في التعيين لأبناء وبنات المملكة الذين لديهم خبرة سابقة في مجال الصناعات العسكرية والمتميزين من الخريجين وخاصة في برامج الابتعاث للخارج والعمل على تأسيس قاعدة بشرية من الكوادر الفنية السعودية في هذا المجال الحيوي ولا يوجد أدنى شك في أن المستثمرين السعوديين يمتلكون من الانتماء والإخلاص ما يأتي بالخير بمشيئة الله تعالى.
وفي الخاتمة نسأل الله العلي القدير أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- وسمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع- حفظه الله- وجميع المسئولين في المملكة إلى ما فيه الخير للبلاد والعباد وأن يحفظ المملكة والحرمين الشريفين وكافة ديار الإسلام وأن يعم الخير والأمان على الشعوب العربية والإسلامية إنه ولي ذلك والقادر عليه والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.