د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
نعى المنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين، الراحل بول فندلي، عضو الكونغرس الأمريكي السابق، صاحب المؤلفات المهمة ذات الصلة بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، والذي عُرف عنه، وقوفه بجانب الحق العربي والقضية الفلسطينية التي أطلق حولها المواقف والخطب والتصريحات منذ الثمانينيات.
وحيث إنني أتذكر جيداً مواقف الراحل، بحكم الدراسة والمتابعة، فقد رأيت المشاركة في تأبينه من خلال هذه المقالة القصيرة المتواضعة.
فـ»ثمة أشخاص في الغرب والشرق على السواء يثيرون الإعجاب، ويستحقون الاحترام، لتوخيهم العدل في مواقفهم، والاستقامة في سلوكهم، والنزاهة في أحكامهم، ومنهم على سبيل المثال بول فندلي، العضو السابق في مجلس النواب الأميركي، الذي بدأ حياته العملية محرراً لصحيفة أسبوعية محلية، قبل أن يصبح عضواً في الكونغرس عن ولاية إيلينوي، حيث قدّر له أن يقضي اثنين وعشرين عاماً مشرّعاً بارزاً، في القضايا والشؤون الداخلية والخارجية». هذا ما ذكره الدكتور خلف الجراد في مقالة له، حول كتاب بول فندلي «لا سكوت بعد اليوم».
للراحل بول فندلي الكثير من المواقف والطروحات والتصريحات التي أزعجت الكثيرون في الولايات المتحدة، وبخاصة الداعمون لإسرائيل منهم. ففِي محاضرة ألقاها في «مركز زايد للتنسيق والمتابعة» في أبوظبي، دعا بول فندلي، الكاتب والمفكر وعضو الكونجرس الأمريكي السابق، الرئيس الأمريكي جورج بوش «للاهتمام بما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قائلاً: «بأن الخسائر في الأرواح أصبحت مظهراً يومياً، والظلم الواقع على الفلسطينيين هو الأسوأ من نوعه والأشد كثافة ووحشية واضطهاداً عبر سنوات الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وأن العدوان العسكري الإسرائيلي باحتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، هو الأطول والأبشع في التاريخ، وسواء أدرك الرئيس بوش ذلك أو لم يُدركه، فإنّ على حكومة الولايات المتحدة، أن تتحمَّل القدر الأكبر من المسؤولية عن ذلك الاضطهاد» .
وقد كان من بين أهم كتب النائب فندلي، كتابه الذي حمل عنوان «من يجرؤ على الكلام» الذي تناول فيه دراسة اللوبي الصهيوني، وأساليبه في التأثير على أصحاب القرارات السياسية والمالية لمصلحة إسرائيل، وفي محاربة أية محاولة لتسلح الأقطار العربية، أو الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية، أو حتى لتدريس تاريخ الشرق الأوسط بموضوعية، وهو ما جاء في النبذة المختصرة عن الكتاب، على غلافه الخارجي.
وكثيراً ما شارك بول فندلي في المنابر والمنتديات العالمية، وكثيراً جداً ما ظهر في البرامج السياسية الصحفية، والإعلامية المتلفزة، وكان أكثر ما يتطرق إليه في هذه الفعاليات مواضيع ذات صلة بالعلاقات الإسرائيلية الأمريكية العربية مثل: حجم تأثير اللوبي الإسرائيلي في القرار الأمريكي، وتصاعد حجم الكراهية ضد الأمريكيين، والمسؤولية التاريخية الأمريكية تجاه المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وإبعاد عسكرة الولايات المتحدة، وعن المصالح الأمريكية بين خطر الانحياز لإسرائيل وعدم الاتجاه نحو العدالة.
وحول وفاة بول فندلي، كتب دوغلاس بلومفيلد، مسؤول الـ«ايباك» وهي الجمعية التي تعنى بالعلاقات العامة الإسرائيلية الأمريكية، كتب قائلاً «لقد كلّفت النائب فندلي مساعيه لحماية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، موقعه في الكونغرس في العام 1982» معترفاً بأنّ الأموال اليهودية قد موّلت منافسيه، ومتهماً فندلي ليس بكره اليهود، أو العداء لإسرائيل، ولكن بالسذاجة، لكونه أعلن مثلاً، أنه صديق للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات».
هذا ويعد النائب الراحل فندلي أحد أبرز مناهضي اللوبي اليهودي الأمريكي، وذلك في ضوء إعلانه بصراحة تامة، بأن «قوة اللوبي اليهودي تتمتع بقوة غير معهودة، في جميع المؤسسات والإدارات الأمريكية، وأن مؤيّدي إسرائيل موجودون في كل مكان، ولهم الكلمة العليا في توجيه السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وضمان استمرار الدعم لإسرائيل، حتى لو تعارضت مع المصالح الأمريكية».
ونشيد هنا بجريدة الشرق الأوسط، التي بادرت بنشر مقالة مطولة حول الراحل. وقد جاء في تغطيتها تلك بأنه «إذا كان هنالك من رجل واحد ندين له بتسليط الضوء دفاعاً عن المصالح القوميّة لبلاده، فلن يكون سوى بول فيندلي السّيناتور السابق، ممثّل ولاية إلينوي في مجلس الكونغرس الأميركي عن الحزب الجمهوري.
فعضو الكونغرس، تضيف الشرق الأوسط «الآتي من بدايات متواضعة في عالم الصحافة ولاحقاً الخدمة العسكريّة بالبحريّة خلال الحرب العالميّة الثانيّة، انتخب لتمثيل ولايته بداية الستينات من القرن الماضي. وهو بحكم تعليمه المحلي، في ولاية يغلب عليها الرّيف الزراعي، جاء إلى الكونغرس دون أن يمتلك أي خبرة سياسيّة، أو معرفة مسبقة بشؤون الشرق الأوسط، سوى تلك الصور السطحيّة الشديدة العموميّة التي يتلقاها التلامذة الأميركيون في المدارس العامّة، أو من خلال إنتاجات هوليوود الاستشراقية الهوى، لكنّه كان متسلحاً بخبرته العسكريّة، التي أرته فظاعات الحروب، دفع من خلال عمله النيابي نحو سياسات معتدلة تتجنّب الحروب وتدعو للانخراط في حوارات بناءة بكافة الدول».
وكان من بين ما دعا له الكاتب والمفكر العالمي وعضو الكونغرس الأميركي الأسبق بول فندلي، هي دعوته الرئيس الأميركي جورج بوش، إلى العمل على وقف المجازر ورفع الظلم والاضطهاد، الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، واصفاً هذا الاحتلال بأنه الأبشع في التاريخ، ومطالباً بانسحابه من الأراضي الفلسطينية.
وكان أيضاً من بين أهم الرسائل التي وجّهها للرؤساء الأمريكيين هي رسالته للرئيس جورج بوش الابن والتي جاء فيها «إنه لتعزيز ومساعدة حملتكم المهمة والملحة ضد (الإرهاب) أقدم اقتراحاً ينطلق من اختباري ومعرفتي بالإرهاب في الشرق الأوسط طيلة 34 سنة، الست عشرة سنة الأولى منها كعضو جمهوري في الكونغرس. أقترح أن تظهر اهتمامك برخاء الفلسطينيين، وبأن تعلن دعم الولايات المتحدة لدولة فلسطينية مستقلة، وقادرة على الاستمرار». وأنه «من شأن ذلك أن يؤدي إلى تدفق العواطف والتعاطف مع حملتك ضد الإرهاب، من قبل شعوب كثيرة حول العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط، مضيفاً «أن دعم وتأييد دولة فلسطينية مستقلة، ينسجم مع تعهد أميركا بالمساواة في الحقوق بين الشعوب ومبدأ حق تقرير المصير، اللذين يعتمدان على أسس أخلاقية وقانونية».
وكثيرًا ما ردد الراحل القول بأن الشعوب من كافة الأديان والمذاهب، تشعر بالقلق من تأييد أميركا غير المشروط، لحكومة كثيرًا ما تنتهك القانون الدولي، وتستخدم الأجهزة العسكرية التي زوّدها بها، للسيطرة على أراض احتلتها بقوة السلاح. وفي كل مرة تنتهك فيها إسرائيل القانون الدولي فإن سلطتها الأخلاقية تتقلص، ونتيجة لتواطئنا معها، تتقلص سلطتنا الأخلاقية أيضاً، وأنه عندما تدعو أمريكا إلى دولة فلسطينية مستقلة، فإنها تكسر هذه الحلقة المفرغة.
هذا وقد وصف أحد كتَّاب «وجهات نظر» التي تصدر عن «البيان الإماراتية» عضو الكونغرس بول فندلي «بأنه سياسي يدعو للعدالة والحرية، وفهم الإسلام، ويتعاطف مع القضية الفلسطينية، ويؤمن بالحقوق العربية، ويحذِّر من خطر الحروب والسلاح النووي، ويحاول في كتاب سيرته، إيقاظ الساسة الأميركيين من سباتهم، وبناء جسور مع العالم الإسلامي، وأن تجربته في الكونجرس، وعلاقاته مع المسؤولين في العالم العربي، قد أكسبته خبرات ثرية، انعكست في آرائه وكتاباته ومؤلفاته.
ومن الأمور التي تميز النائب الراحل بول فندلي، هو موقفه الواضح من حروب الولايات المتحدة، حيث قال يوماً «إنه فيما عدا الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن باقي الحروب التي خاضتها أميركا، في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان، كانت مبنية على معلومات كاذبة، ولم تجاز من الكونجرس، وأن المسلمين كانوا أكثر ضحاياها، خصوصاً في العراق وأفغانستان وباكستان».
ولقد نجح الراحل بول فندلي، كما جاء على منبر الثقافة والفكر والأدب على فيسبوك «نجح في تحليل الكيفية التي يتم من خلالها تكوين الصورة النمطية في نظر الأميركيين للإسلام. وفي هذا الصدد، فقد واجه في كتابه «لا سكوت بعد اليوم» الصور المزيفة عن الإسلام في الغرب، وعلاقة الأميركيين بالإسلام، ومدى معرفتهم وفهمهم له، والصور المزيفة التي يحملها الأطفال منذ الصغر في ذهنهم عنه، والتي تستمر معهم طوال حياتهم، من دون أن يواجه أحد هذا الكم الهائل من الصور النمطية المضللة عن الإسلام والمسلمين.»
وأختم هذه المقالة بالقول بأن هناك شخصيات أمريكية أخرى ذات شهرة وسمعة دولية، تبنت كالراحل بول فندلي القضايا العربية ودافعت عنها، وخسرت من أجلها الكثير. ومن بين هؤلاء الرجال الأوفياء، على سبيل المثال لا الحصر، السيناتور وليام فولبرايت، رئيس لجنة الشؤون الخارجية الأسبق في مجلس الشيوخ، الذي فقد مقعده في الانتخابات، التي تلت تصريح جريء أوضح من خلاله أحد أبعاد الحقيقة، ليس إلا.