د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن الشاب المكافح، والذكي جدا، بيل كلينتون، الذي لم يكن طريقه للرئاسة مفروشا بالورد، ولم يفز برئاسة أمريكا بسهولة، إذ كانت مسيرته في الانتخابات التمهيدية للترشح عن الحزب الديمقراطي، في عام 1992م، مليئة بالأشواك، وقد استطاع بقدراته الخطابية المذهلة، وحيويته الوقادة، أن يتجاوز أصعب المعوقات، فقد خسر في ولاية آيوا، ثم في ولاية نيوهامشير، وتعتبر هاتان الولايتان في غاية الأهمية لأي مرشح، فولاية ايوا الزراعية الصغيرة في وسط شرق امريكا، هي أولى الولايات، التي تنتخب في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية، وبالتالي فإن كلمتها غالبا تؤثر على انتخابات باقي الولايات، خلال مسيرة الطريق الصعب للوصول للرئاسة، فهذه الولاية هي التي قلبت الموازين لصالح المرشح المجهول، باراك اوباما، فقد كان فوزه المفاجئ بها هو الذي قلب الموازين في وجه هيلاري كلينتون، ولو كان المرشح أحداً غير كلينتون لأصابه اليأس، وانسحب من السباق؛ لأن الخسارة في هاتين الولايتين المهمتين جداً يعتبر - تاريخياً - شهادة خروج من سباق الرئاسة، ولكن كلينتون لم يتوقف، بل بذل جهوداً كبيرة واستثنائية، حتى استطاع الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، وعندها أصبح في مواجهة شرسة مع الرئيس الجمهوري، جورج بوش الأب، الذي خرج للتو من حرب تحرير الكويت منتصرا، وهذا علاوة على تاريخه السياسي الحافل، إذ كان نائباً للرئيس الأشهر، رونالد ريجان، لمدة ثماني سنوات، وكان قبل ذلك سفيراً لأمريكا في الصين، ورئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي)، فما الذي حدث، وكيف تجاوز الشاب الطامح، بيل كلينتون، كل ذلك؟!
لقد تظافرت عدة عوامل، وساهمت في فوز كلينتون بالرئاسة، فقد اعتقد بوش الأب أنَّ مسألة إعادة انتخابه محسومة، بعد انتصاره في حرب الخليج الثانية، ثم غامر، وتحدى إسرائيل، ومنظمة ايباك، واستفزهما، وذلك عندما صرَّح وزير خارجيته الشهير، جيمس بيكر، وقال: «لقد بلغ السيل الزبى مع إسرائيل، وإذا أرادوا أن يتحدثوا إلينا، فهذا هو الرقم المجاني للبيت الأبيض!!»، وهي مغامرة خطرة، دفع بوش الأب ثمنها غالياً، فقد كانت كل استطلاعات الرأي، حتى ذلك الحين، تميل لصالح بوش، وحينها دفعت ماكينة الإعلام الأمريكي الصاخبة، بزعامة المعلق الأشهر، لاري كنج، بمرشح ثالث، اسمه روس بيروت، وهو بليونير من تكساس، كمرشح مستقل، فأصبحت انتخابات الرئاسة الأمريكية، لعام 1992م، بين الديمقراطي بيل كلينتون، والجمهوري بوش الأب، والمستقل روس بيروت، في واحد من أروع سباقات الرئاسة تشويقاً وإثارة، فما الذي حدث؟!
كان المرشح المستقل، والبليونير، روس بيروت، محافظاً من ولاية تكساس الجنوبية، أي مثل بوش تماما، وبالتالي فقد توزعت أصوات الناخبين المحافظين بين الجمهوري بوش والمستقل بيروت، أي أنَّ كثيراً من داعمي بوش صوتوا للمرشح بيروت، وهذا الأمر سهَّل مهمة كلينتون، الذي استطاع هزيمة الاثنين، والفوز بالرئاسة، والخلاصة، هي أنَّ كلينتون يمثل الحلم الأمريكي بأزهى صوره، فأمريكا هي بلد الديمقراطية، والفرص الواعدة، ولكن فقط لمن يملك الطموح والإرادة والصبر والذكاء، ثم يحظى بمساعدة صديق، وقد حدث كل ذلك لابن ولاية اركانساس الفقيرة، وبقي الحديث عن إنجازاته، التي جعلته يحلق عاليا في سماء الاستطلاعات الشعبية كواحد من أفضل رؤساء أمريكا!.