حمّاد السالمي
*وما زال التشرذم السياسي والاجتماعي والاقتصادي يخيم على ربوع اليمن الذي كان القدماء يصفونه باليمن السعيد..! بل لا يمر يوم إلا وتزداد الحالة سوءًا، حتى ليظن المتابع أن لا أحد في اليمن يهتم بأمر اليمن. إن كافة المحاولات التي تسعى لحل المشكل السياسي الذي طال أمده؛ تأتي من خارج حدود اليمن، وهي لا تجد الاهتمام الكافي من المعنيين بالأمر في اليمن. تمامًا مثل تلك المحاولات التي تهدف إلى إجهاض كل محاولة للحل، وعرقلة جهود التحالف العربي، وإدامة أمد الأزمة، هي تأتي من خارج الحدود؛ لكنها تلقى من يستجيب لها من أبناء اليمن أنفسهم..!
* وقع في الأيام القليلة الفارطة من اليمنيين أنفسهم ما يدعو للعجب..! فقد أقدم الحراك الجنوبي من عدن على تحريك فصائله، واحتلال مواقع لحكومة الشرعية اليمنية في الجنوب، ما يشبه الانقلاب العسكري، معيدًا بذلك الدعوة لانفصال الجنوب عن دولة الوحدة اليمنية التي تحققت بطريقة شعاراتية أو آنذاك لا أكثر، وكان علي عبد الله صالح يهدف من وراء هذه الوحدة المرتجلة؛ إلى احتواء واحتلال الجنوب، الخارج من عباءة حكم شمولي ذهب رعاته السوفيت، وبقي في حالة يُتم، مثل غيره من أقطار كانت تابعة لموسكو السوفيتية أيام الحرب الباردة. هذا الزواج العاطفي بين صنعاء وعدن؛ ظل في حالة ريبة وارتباك وغبن، حتى هيمن الطرف الصنعاني على كل مقدرات الجنوب، إلى أن جاءت الثورة على حكم علي عبدالله صالح، فانكشف الغطاء، وظهر أنه ليس الجنوب اليمني وحده مع الأسف من كان يريد الطلاق من زواج الوحدة الناقصة، ولكن بين أطراف الشمال من كان يتربص وينتظر الفرصة السانحة للخروج من عباءة الدولة اليمنية، التي ترهن وجودها للحضور القبلي والإخواني والبعثي والمذهبي أكثر من أي قانون يستظل به المجتمع، ويحكم الكل من خلال مؤسسات الدولة.
* جاءت فرصة الأطراف الشمالية؛ ليظهر كل طرف على السطح، ويتكسب من الأزمة التي قاربت على الخمس سنوات، دون بوادر صدق نوايا من أي طرف كان بدليل تصرف الحراك الجنوبي بغباء سياسي لا يوازيه إلا غباء الحوثيين في الشمال. فالحراك الجنوبي بتصادمه مع الشرعية التي تعمل مع التحالف العربي وفق (المبادرة الخليجية)؛ وتظن أن اليمن الجنوبي أكثر فهمًا لمجريات الحرب مع الحوثيين؛ بهذا التصرف الغبي؛ دفع بالحوثيين إلى الارتماء أكثر من ذي قبل في أحضان إيران، ليذهب فريق حوثي إلى طهران، ويجري مباحثات علنية، ويفتح سفارة لحركة انقلابية في عاصمة دولة تدعي أنها تناصر شعوب المنطقة، وتسهم في الدفاع عنها. هل يظن الحوثيون أنهم دولة تحكم اليمن لمجرد أن لهم وجودًا في صنعاء العاصمة..؟ أين حزب الإصلاح، وحزب المؤتمر، وأهل اليمن، وقبائل اليمن، مما يخطط لهم ويحاط بهم..؟ أم أن الارتزاق والتكسب على حساب اليمن ومصيره؛ انتقل من أشخاص معروفين؛ إلى جماعات وأحزاب كانت تقول فيما مضى أنها تشارك في الحكم، وأنها تسعى لتكون جزءًا من المكونات القادمة التي سوف تدير اليمن..؟ يا له من غباء سياسي، يشترك فيه كافة الفرقاء في اليمن بجنوبه وشماله على حد سواء..!
* إن الجنوبيين يرتكبون خطأً جسيمًا حين يطالبون بالانفصال، لأنهم سبق وأن شاركوا في رؤية الحل التي صاغها مجلس التعاون الخليجي بحضور الحكومة الشرعية، وأن ما يجري من حلول سياسية وعسكرية؛ هي تحت مظلة هذه الرؤية المرعية عربيًا وإقليميًا وحتى دوليًا. والأمر ينطبق على أهل الشمال بكافة فصائله، إلا أن الحوثيين أثبتوا بكل الطرق؛ أنهم أعداء العرب في جنوب الجزيرة العربية، وأن مشاركتهم في أي حل قادم؛ صعبة وغير ممكنة، حتى يخرجوا من عباءة المرشد الإيراني الأعلى.
* وحتى هذه اللحظة كذلك؛ لا أظن أن عاقلاً واحدًا في اليمن -لا شماله ولا جنوبه- يقبل بولاية صفوية فارسية على بلاده ينفذها الحوثيون، وبالتالي.. فإن لا حزب الإصلاح، ولا حزب المؤتمر العام؛ ولا حتى الحراك الجنوبي؛ يقبل بطرف شمالي حوثي في قيادة اليمن مستقبلاً. لكن المحير في الأمر؛ هو سكوت قيادات حزب الإصلاح، وقيادات حزب المؤتمر العام، على العبثية التي تمارسها الحركة الانقلابية الحوثية في مدنهم وقراهم، حتى يبدو الأمر وكأن اليمن ولاية إيرانية تدار من طهران.
* إن كل من يسعى لحرب الشرعية اليمنية اليوم؛ إنما يكرس المشكل، ويطيل أمد الاحتراب، ويدفع باليمن للارتماء في أحضان ملالي إيران، وليت الكل يعرف وفي مقدمته الحوثيون أنفسهم؛ أن لا المملكة العربية السعودية، ولا أي دولة خليجية أو عربية -ما عدا قطر طبعًا- يقبل بالوجود الصفوي الإيراني على حدوده. انظروا إلى الحال في العراق وسورية ولبنان، واتعظوا يا أهل اليمن.
* مع كل أسف؛ فإني أبحث اليوم عن مشترَك واحد يجمع بين فرقاء اليمن بجنوبه وشماله، فلا أجد غير مشترَك واحد هو: الجهل السياسي المفرط، الذي جرّد اليمن من حكمته: (الحكمة يمانية)..! كانت.. أين حكمتكم اليمانية يا عقلاء اليمن..؟!