«الجزيرة» - عبدالله الهاجري:
في الوقت الذي قام فيه سفير المملكة في تركيا وليد الخريجي مساء الخميس بزيارة الشاب السعودي الذي تعرَّض لإطلاق نار في إسطنبول، لا يزال البحث عن المواطنة عبير العنزي مستمرًّا. عبير كغيرها من السعوديين الذين انخفضت نسبة من يقصدون تركيا بهدف السياحة منهم إلى أكثر من 33 %، أنصتوا لستة نداءات تحذيرية، أصدرتها سفارة المملكة في إسطنبول بأخذ الحيطة والحذر، بعد تواصل الاعتداءات ضدهم بشكل مباشر ومنظَّم وبشع.
عبير التي قطعت أقل من 50 مترًا من مقر إقامتها اختفت.. وإطلاق نار على آخر.. وعمليات نشل ممنهجة.. واعتداءات بالضرب بشكل همجي؛ لتتضح الرؤية باستهداف المواطن السعودي. فيما رصدت سفارة المملكة تعرُّض مواطنين ومواطنات لعمليات نشل وسرقة لجوازات سفرهم، ومبالغ مالية في بعض المناطق التركية من قِبل أشخاص مجهولين.
وتأتي تلك الجرائم ضد السياح السعوديين دون تحريك فعلي ومباشر من الجهات الأمنية التركية، بل إن وزارة الداخلية التركية تراجعت في مارس الماضي عن مقطع فيديو لوزيرها سليمان صويلو، الذي هدد فيه الذين ينتقدون بلاده بأن عليهم ملفات مرصودة، متوعدًا بمعاقبتهم عند مجيئهم إلى تركيا للسياحة؛ ليتضح ذلك جليًّا الأيام الماضية بعد تزايد حالات الترصد والاعتداء.
30 % انخفاض السياح السعوديين في تركيا
ووفقًا لموقع اتحاد أصحاب الفنادق في تركيا، فإن عدد السياح السعوديين انخفض بنسبة 33.2 % خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي؛ لتتراجع السياحة السعودية في تركيا من المرتبة الرابعة إلى المرتبة العاشرة.
قصص نصب وسطو مسلح
وتنوعت قصص الاعتداء على السعوديين في تركيا منذ الوصول للمطار حتى مغادرة البلاد. وتبدأ مع سائق الليموزين، والفنادق والعمالة فيها، ومكاتب تأجير السيارات، والمطاعم والأسواق، وصولاً للتعدي العلني في وضح النهار وأمام المارة.. وقابلها برود عجيب من الأجهزة الأمنية التركية التي لم تحرِّك ساكنًا.
ومن القصص التي حدثت لسعوديين قصة سحب المبالغ ببطاقة الفيزا في المطاعم والأسواق، فمثلاً يكون إجمالي المبالغ المطلوبة 600 ليرة تركي، ويقوم البائع بسحب 600 يورو. وكذلك سائقو الليموزين، وأيضًا عمليات النصب ورفع الأسعار على السائح السعودي، وطلب مبالغ إضافية. وكذلك الحال في مطاعم الفنادق، الأمر وصل للضرب والسطو المسلح، وسرقة الهواتف والجوازات والمبالغ المالية وبطاقات البنك. والحال كذلك في مكاتب تأجير السيارات؛ إذ يقومون بإعطاء السعودي سيارات مستهلكة مصابة بأعطال، ولم يمضِ عليها ساعات من تأجيرها؛ فتتعطل؛ ليقوم المكتب بطلب مبالغ إضافية لهذه الأعطال.. إلى جانب نصبهم في مراكز التجميل وزراعة الشعر.
ووفقًا لمصادر متنوعة، فإن عدد جوازات السفر السعودية التي سُرقت في عدد من المواقع التركية أكثر من 150 جوازًا خلال أربعة أشهر؛ ليتفاعل بعد ذلك قاصدو تركيا من السعوديين، ويرسلوا تحذيرات للراغبين في السياحة بعدم القدوم، ودشنوا في موقع «تويتر» العديد من الهاشتاقات التي تحذر من السفر إلى تركيا، وسردوا فيها ما يتعرض لها السياح السعوديون في تركيا.
تحذيرات متكررة.. الحذر والحيطة
وبدأت السفارة السعودية في تركيا بإطلاق تحذيرات على خلفية مضايقات وعمليات سرقة ونصب واعتداء متعمدة، تعرض لها السياح السعوديون في تركيا خلال الأشهر الأربعة الماضية، قالت فيه إنه «نظرًا لتعرُّض الكثير من المواطنين لعمليات استغلال من قِبل بعض الشركات المحلية لتأجير السيارات بمنطقة طرابزون، ومركز المدينة؛ إذ يتم سحب مبالغ مالية من البطاقات الائتمانية لإصلاح السيارات عند تعرضها لحوادث أو أعطال بسيطة، ومحاولة إجبارهم على دفع مبالغ إضافية، طالبت السفارة السعودية المواطنين والمواطنات الموجودين في محافظة موغلا جنوب غربي تركيا بتوخي الحيطة والحذر». محذرة أيضًا من جراء اندلاع حرائق في غابات منطقتَي جوجيك ودالامان، وامتداد الحرائق إلى الغابات في مدينة فتحية». وتركت السفارة أرقام تلفونات للتواصل معها. كما أطلقت السفارة تحذيرًا، قالت فيه إنه «نظرًا لتعرض بعض المواطنين والمواطنات القادمين إلى جمهورية تركيا لغرض السياحة للإيقاف من قبل الجهات الأمنية؛ وذلك لعدم حملهم أصل جوازات السفر، تود السفارة الإفادة بضرورة حمل أصل جواز السفر، مع الحرص على الحفاظ عليه من الفقدان أو السرقة أو التلف؛ إذ تطلب الجهات الأمنية التركية أصل جواز السفر؛ وذلك لغرض إثبات الشخصية، وعدم القبول بصورة من الجواز».
تحذير آخر أطلقته السفارة في 2 يوليو الماضي، قالت فيه إنه «نظرًا لتعرُّض بعض المواطنين والمواطنات لعمليات نشل وسرقة لجوازات سفرهم، ومبالغ مالية في بعض المناطق في جمهورية تركيا من قِبل أشخاص مجهولين، تود السفارة التشديد على ضرورة المحافظة على جوازات السفر والمقتنيات الثمينة، والحذر، وخصوصًا في الأماكن المزدحمة، وعدم التردد في التواصل مع السفارة في أنقرة أو القنصلية العامة في إسطنبول في حالات الطوارئ».
العجلان يحذر من الاستثمار في تركيا ويدعو لمقاطعتهم
التحذيرات الستة حظيت باهتمام محلي؛ وهو ما دعا رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض عجلان العجلان إلى مقاطعة شاملة لتركيا عقب استهداف قياداتها - وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان - المملكة قيادة وشعبًا.
وشدد على أن هذه المقاطعة يجب أن تكون شاملة، وصرح: «(المقاطعة) ليست في السياحة والاستثمار فقط، بل في كل شيء: الاستيراد والعمالة والتعامل مع الشركات التركية». مشيرًا إلى أن المقاطعة الشاملة هي أقل ما يتم الرد به على العداء التركي السافر ضد المملكة وشعبها.
وحذر المستثمرين السعوديين من الاستثمار بتركيا في الوقت الحالي، ناصحًا إياهم بالاستفادة من الفرص المتاحة في السوق المحلي.
وقال العجلان: إن الغرفة تلقت العديد من الاتصالات والشكاوى من مستثمرين سعوديين في تركيا، يواجهون مشاكل وقضايا كثيرة، تهدد استثماراتهم. مشيرًا إلى أن الجهات الرسمية التركية لم تلتزم بواجبها تجاه حماية الاستثمارات التي تشهد تهديدات متعددة مع الوضع المتردي للاقتصاد التركي هذه الأيام بسبب انخفاض أسعار العملة وزيادة التضخم؛ وهو ما انعكس سلبًا على المستثمرين السعوديين هناك؛ ففوجئوا بالتضييق عليهم، وتعطيل مصالحهم، والضغط عليهم إلى حد الابتزاز في بعض الحالات من قِبل جهات متنفذة ومدعومة هناك.
وتابع رئيس غرفة الرياض: إنه من المؤسف أن يواجه السعوديون في تركيا هذه التصرفات. مشيرًا إلى ما يعانيه السياح من أبناء المملكة من مضايقات أمنيه وحالات نصب واحتيال، كما يحصل حاليًا مع مُلاك العقارات السعوديين هناك؛ إذ وصل إلى درجة منعهم من دخول مساكنهم، وعدم إعطائهم سند التمليك.. قائلاً: «للأسف إن هذا التردي والمضايقات تتكرر بشكل دائم دون تحرك من الجهات المختصة هناك، التي لم يلمس منها أي تعامل جدي في حماية المستثمرين أو السياح».
وأضاف العجلان: أمام هذه المضايقات المؤسفة فإن غرفة الرياض - وفقًا لما وصلها من المستثمرين السعوديين هناك - تحذِّر من الاستثمار بتركيا في الوقت الحالي، وتدعو إلى الاستفادة من الفرص المتاحة، سواء في السوق المحلية أو في الدول الشقيقة والصديقة التي تتمتع بأوضاع اقتصادية وأمنية مستقرة، وتحرص على جذب الاستثمارات السعودية. كما دعت الغرفة الراغبين في السياحة خارج المملكة إلى اختيار الوجهات والدول الآمنة التي تحرص على تسهيل وحماية السياح، وتحفظ لهم حقوقهم.
وأكد العجلان أن غرفة الرياض تطالب الجهات المعنية بالاستثمار في تركيا بالقيام بدورها بحماية حقوق المستثمرين السعوديين، مؤكدًا أن ما يتعرض له السعوديون بتركيا حاليًا سيُفقد الثقة بالاستثمار والسياحة التركية إلى سنوات طويلة مقبلة.
من جهته، قال الإعلامي سلمان الدوسري: «لا توجد دولة تعرَّض فيها السعوديون لمثل هذه الاعتداءات في فترة قصيرة جدًّا كما حدث في تركيا. استهداف السعوديين نتيجة طبيعية لممارسات النظام التركي ضد بلادهم».