إعداد - د. محمد بن يسلم شبراق:
يشهد الوطن نهضة متسارعة في شتى المجالات، من خلال نشاطات ومبادرات يمكن أن تقدم تجارب وقصص نجاح يستفيد منها العالم أجمع، ومن هذه القصص التي يجب أن تروى وتعلم بالمدارس ليعرفها أبناء الوطن قبل غيرهم، هي عودة المها العربي لأرض الوطن. وما يشعرك بالإحباط أحياناً أنه بالرغم من اعتراف العالم بهذا النجاح إلا أن الكثير من أبناء هذا الوطن لا يعرف ذلك، بل أن البعض يعبث ويخرب ويقتل هذه الحيوانات الجميلة ويتفاخر بفساده في الأرض من خلال عرضه لجرائمه.
لقد سطر أجدادنا على هذه الأرض أجمل الأبيات، تغنوا فيها بالمها العربي وأعطوه من الأوصاف في أشعارهم ما يجعلك تعشق هذا الكائن، فقد شارك أجدادنا الأرض وحبها، وألهم العشاق في وصف معشوقهم فهذا شاعر قرشي اسمه علي بن الجهم وصف المها العربي وصفا يشعر به العاشق الولهان فقال:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن
سلوت ولكن زدن جمراً على جمر
لقد كان المها العربي معروفاً ومحبوباً عند العرب يتغزلون في النساء من خلال وصف لسلوكيات هذا الكائن الجميل، وكأنهم علماء في سلوك الحيوان فهذا امرؤ القيس يشبه مشية المها العربي بمشي العذارى:
فغن لنا سرب كان نعاجه
عذارى دوار في ملاء مذيل
وأجمل ما قيل في نظري تشبيه عمر أبي ربيعة مشية النساء وعليهن الحلل كمشية البقر الوحشي وهو من الأسماء المعروفة للمها العربي وذلك بقوله:
يرفلن في الربيط والبرود كما يمشي الهوينى جأذر البقر
وللمساهمة في التعريف بهذا الحيوان العربي ورحلة عودته لأرض الوطن بعد أن اختفى وانقرض تماماً من البرية، لتكون شاهداً لنجاح أبناء هذا الوطن في الحفاظ على الموروث الفطري، أسردها من خلال قصة بدأت أحداثها خلال حضوري لمناسبة زواج في مسقط رأسي «جدة» وذلك لابن زميل قديم ربطتني به علاقة صداقة خلال عملي بالحياة الفطرية، قبل أن أنتقل للعمل بجامعة الطائف.
المها العربي
كعادة متبعة في مناسبات الزواج يقف أهل العروسين على مدخل قاعة الأفراح في صف واحد ليرحبوا بالمعازيم حال دخولهم من البوابة، وكم كان مصادفة أن اسم قاعة الأفراح لهذه المناسبة هي قاعة «المها للأفراح». وصلت القاعة في الوقت المناسب فما أن وطأت قدماي مدخل القاعة ورآني ذلك الزميل -والذي كان يكنى بأبي عمر- حتى ترك الصف وجاءني فرحاً مبتسماً فارداً ذراعيه مرحباً بقدومي، وأخذ بيدي ليعرفني بجميع من بالصف من أهله وأقاربه، ثم أخذ بيدي مرة أخرى ليجلسني في مكان يمكن أن يراني ويتردد علي كلما أتيحت له الفرصة لتبادل أطراف الحديث وسماع الأخبار. وكما هي أغلب قاعات الأفراح فالجلسات تأخذ أشكال مختلفة، وفي هذه القاعة المقاعد أو الأرائك تتوزع بشكل رباعي، تُمكّنْ كل مجموعة متقاربة من الجلوس معاً وتبادل أطراف الحديث، وقد صادف أن أجلسني صديقي العزيز بين مجموعة يعرفهم، وأخذ يعرفهم لي ويعرفني عندهم بطريقة فيها من الود والاحترام والتقدير ما أحرجني، فقد قدمني لهم قائلا.. هذا أبو الطيور والحياة الفطرية، ودكتور بجامعة الطائف، ثم أجلسني على الأريكة بصدر المجلس، واستأذن بعدها ليرجع لمكانه بمدخل القاعة ليكمل الترحيب بالمعازيم.
ما إن غادر زميلي وتركني حتى تركزت نظرات من كان ضمن المجموعات حولي، ولم أنتظر كثيراً حتى جاءني سؤالٌ من أحدهم كالصاعقة يقول بصوت جهوري.. يا دكتور.. هل عندنا أصلاً حياة فطرية؟ ويش قصتكم مع فكة الحيوانات بالبرية؟... نظرت لمصدر الصوت فإذا به رجل في الخمسينات من عمره كسى الشيب معظم لحيته وشاربه، والتجاعيد غطت وجنتيه وتحت عينيه، وسمرة وجهه تدل على عمله تحت أشعة الشمس لفترات طوال. كانت طريقة سؤاله فيها نوع من الاستفزاز والتحدي، وأحسست مع نظرات الجميع والتي تنتظر ردي وكأني في مناظرة مع مجموعة إما تجهل معرفتها بجهود المملكة في المحافظة على الحياة الفطرية أو تتجاهل ما قدمه الوطن من خلال الهيئة المختصة بالحفاظ والحماية للحياة الفطرية في وطننا الغالي.
دعوت الله في قرارة نفسي أن يلهمني القوة في الفصاحة لأجيب عن سؤاله، والسكينة في الحديث؛ لينصت الجميع، وليستفيد من بالمجلس ولُنِعرّفَ بجهود تُسَطّرْ لنجاحات الوطن في مجال يجهل عنه الكثير من أبناء هذه البلاد. بدأت حديثي بالقول.. أخي العزيز.. فرد سريعا أخوك صَامِلْ وينادوني أبو معتوق، ابتسمت في وجهه وقلت له «يا هلا أخي أبو معتوق، سوف أُجِيبُك عن سؤالك لكن تحمّلني فسأسرد عليكم أحداث عودة أهم كائن عرفته الجزيرة العربية منذ القدم، والذي من خلاله يمكن أن نتعرف على الحياة الفطرية في بلادنا وأهمية المحافظة عليها، إنه المها العربي»:
تركزت أنظار من حولي وأولهم أبو معتوق مما جعلني أطمأن وأسترسل في الحديث.. أتعلم أن المها في اللغة العربية تعني الشمس أو الكواكب أو الحجارة البيضاء أو البلورة التي تبرق! وربما سمي بالمها لشدة بياضه، ويطلق عليها أيضا اسم «الماريّة» أو الوضيحي بسبب وضوح لونها الأبيض من على بعد، وسميت أيضاً بالبقر الوحشي، كما عرفت بأسماء محلية بسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة كإبن سولع أو السولعي، ويُعْتَقد بعض العلماء أن أسطورة الحيوان أحادي القرن والذي يشبه الحصان يرجع للمها العربيّة، فهي تظهر للناظر من الجانب على أنها ذات قرن واحد، وهذا ما أظهرته الرسومات القديمة في بعض كهوف جنوب فلسطين.
وينتمي المها العربي لتحت عائلة تعرف بالظباء الشبيهة بالخيل (Hippotraginae)، والتي تتبع عائلة البقريات (Bovidae)، ويعتبر المها العربي أصغر أنواع المها المنتمية لجنس الأوريكس ويعرف علميا (Oryx leucoryx)، ويتميز بلونه الأبيض وقرونه الطويلة التي يصل طولها إلى أكثر من 80 سم، ولا توجد اختلافات واضحة بين الذكر والأنثى ما عدا أن قاعدة القرون في الإناث أدق منها في الذكور، وأطول منها عن الذكر، وتصل الإناث لسن البلوغ بين 13 - 18 شهراً، أما الذكور فبين 7- 12 شهراً، وتتميز الصغار عند ولادتها بلونها الرملي الذي يبدأ بالتحول للون الأبيض بعد ثلاثة أشهر. وللمها العربي قدرة عجيبة في تحمل درجات الحرارة العالية، وقلة فقد للماء أيام الصيف الحارة، فهو يستطيع رفع درجة حرارة جسمه إلى ثمان درجات ليقلل من عمليه التعرق مما يجعله يحافظ على المياه بجسمه.
لم أكمل جملتي هذه حتى نودي على المعازيم للتفضل بتناول وجبة العشاء، فبدأت الحركة بالصالة وارتفعت الأصوات، ولم أرى أحداً جالساً سوى من كان حولي يستمع لحديثي، فتوقفت عن سرد قصة المها العربي وقمت من على الكرسي وقلت لهم «يلا يا إخوان العشاء.. والا ما أنتم جوعانين»، صاح صاحبنا أبو معتوق بصوت الغاضب والمتودد.. كمل يا أبو فيصل لسه القصة ما بدأتها، وقد صادف حديثه هذا مع وصول زميلنا أخو العريس ليطلب منا أن نكمل سوالفنا على العشاء.
انقراض المها العربي
أمسك بي زميلي أبو عمر وقادني يتخطى الحشود وقال وهو يشدني من يدي «تفضل يا أبا فيصل ترى هذا أبو معتوق وجماعته سيُضِيّعْ عليك العشاء» ولم يترك يدي إلا فوق إحدى الطاولات عليها صحن من السليق الطائفي وحوله عدد من الصحون الممتلئة بالسلطة المطحونة الحارة، وما يعرف عند أهل الخليج بالدقوس، وبجوارها عدد من صحونٍ تضم عدد من لفائف السمبوسك، وما إن جلست على أقرب كرسي على هذه الطاولة، حتى وصل أبو معتوق وجماعته ليجلسوا معي على الكراسي حول نفس الطاولة التي كنت عليها، تبادلنا الابتسامات وكلمات الترحيب وبدأنا بسم الله نأكل مما أمامنا من لحم ضأنٍ يسيل معه اللعاب، وأرزٍ السليق وما أدراك ما أرز السليق الطائفي، وما هي إلا هوينه حتى هدأت صالة الطعام والكل انشغل يتلذذ بهذه الوجبة، وما هي إلا دقائق حتى امتلأت البطون وعادت الأصوات ترتفع، وجاء صوت أبو معتوق موجهاً حديثه لي: «يا أبا فيصل أكمل حديثك عن المها العربي».
لم أجد بُداً من إكمال ما بدأته قبل العشاء، فبدأت حديثي قائلاً: لقد عرف انتشار المها العربي في معظم المناطق الصحراوية بالجزيرة العربية، ولا يعرف بشكل دقيق التوزيع الجغرافي له، لكن هناك دلائل أشار لها أحد الباحثين يدعى دوجلاس كارريوثرز في بحث نُشِرَ عام 1935م، على أن المها العربي كان في عام 1800 م يستوطن معظم الصحاري والمناطق الحصوية المفتوحة بالجزيرة العربية، حيث سجل بالمناطق الرملية غرب الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، واليمن والمملكة العربية السعودية، كما أشار لدراسات تدل على وجوده في الأردن وفلسطين وسوريا والعراق، وصحراء سيناء بجمهورية مصر العربية.
كما أشار نفس الباحث أنه مع بداية القرن العشرين انحصر توزيع المها العربي في المناطق الصحراوية وذلك في منطقة النفود وصحراء الربع الخالي وأن مجموعات المها العربي انقسمت إلى مجموعتين منفصلتين: الأولى شمالية بمنطقة شمال النفوذ، والأخرى جنوبية في صحراء الربع الخالي بين السعودية واليمن وعمان والإمارات، كما أكد ذلك مشاهدات عدد من الرحالة الغربيين الذين زاروا المنطقة في النصف الأول من القرن الماضي، حيث تواجد المها العربي في ذلك الوقت، وفي عام 1960 م نشر أحد الباحثين يدعى تالوت بحثاً ذكر فيه تناقص أعداد المها العربي وضرورة التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المجموعات البرية، وأشار فيه لأهمية جَمْع أفراد من البرية قبل أن تختفي.
ويرجع تدهور أعداد المها العربي بالجزيرة العربية بسبب الصيد الجائر وتدهور مواطنه الطبيعية وإن كان الصيد الجائر هو المسبب الرئيس في اختفاء المها العربي خاصة مع دخول السيارات ذات الدفع الرباعي وانتشار الأسلحة الآلية، بالإضافة لذلك فمع اكتشاف البترول تمكن الصيادون من التحرك في قوافل مجهزة بالعُدة والعتاد والدخول لمناطق لم يكن الوصول إليها بالشيء السهل والقضاء على أعداد كبيرة من المها العربي، ويذكر جريم وود 1967م أنه سجل في رحلة صيد واحدة للربع الخالي اصطياد (48) رأساً من المها العربي. كما ذكر باحث يدعى أنون عام 1958م أن رحلات صيد كبيرة من السعودية والإمارات وقطر كانت تجوب الربع الخالي للإمساك بأفراد حية لتربيتها في مزارع خاصة، فأشار في كتاباته أن إحدى هذه الحملات أمسكت اثنين من المها العربي من بين قطيع بلغ عدده (36) رأساً.
وهنا تذكرت قول أحد الصيادين السابقين من أصحاب النفوذ يروي على لسانه عن أسباب توقفه عن الصيد، إنه كان في رحلة قنص مع والده برملة الربع الخالي، وذكر أنهم ملأوا اثنين من الشاحنات (اللوري) بجثث المها العربي وغزلان الريم، فتعطلت إحداها فتركوها وما بها ليعودا إليها لاحقاً لإصلاحها، فلما عادوا بعد أكثر من أسبوع كان معظم ما بالشاحنة قد تعفن وأصبح رائحة المكان تزكم الأنوف، فكان عليهم ليس إصلاح الشاحنة فقط ولكن أيضاً إزالة جثث وبقايا الحيوانات التي قتلت بغير ذنب مما أثر في نفسيته جعلته يتوقف تماما عن الصيد. وللأسف الشديد أدى هذا الصيد الجائر إلى اختفائه من معظم مناطق انتشاره حتى أعلن رسمياً الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) عن انقراض المها العربي من البرية عام 1972م.
استفز هذا الكلام أبو معتوق فوقف من على كرسيه وكأن شحنة كهربائية سرت خلال جسده الممتلئ صارخاً: معقول يا أبو فيصل في ناس زي كِذا.. هذا عبث والله عبث وفساد في الأرض.. سكت قليلاً وابتعد عنا قليلا ثم التفت وقال: عشان كذا أفنوه عن بكرة أبيه، وعلى كذا كلام هذا العالم اللي اسمه تالوت صحيح.. التدخل هنا ضروري بل واجب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أفراد المها العربي.
وقفت أحاول أن أهدأ أبو معتوق، فصوته يتردد صداه بين جدران الصالة، والحمد لله أن معظم المعازيم قد أخلوا صالة الطعام ولم يبق إلا أنا وأبو معتوق وجماعته، وعدد من العمالة التابعين لصالة الأفراح متناثرين ينتظرون مغادرتنا لتنظيف الطاولة التي كنا عليها. اتجهت لأبي معتوق الذي اتجه إلى موقع الغسيل، فتبعناه أنا وجماعته لغسيل أيدينا من بقايا السليق الطائفي ومحاولة تهدئته، فاقتربت منه وقلت له: «وراك عصبت يا أبو معتوق ترى القصة ما زالت في بدايتها وتأكد أن هذا الموضوع كان من اهتمامات مجمل حكام المنطقة، وهي كانت البداية لإنشاء هيئات حكومية تعتني بالحياة الفطرية والبيئة، خلينا نغسل ونجلس نشرب الشاي بالنعناع وأُكْمِلْ لك الحكاية».
تعاون دولي لإنقاذ المها العربي
رجعنا لمجلسنا السابق قبل الذهاب لقاعة الطعام، وقد بدأت أعداد الضيوف بالتناقص ولم يبق سوى قلة تجمعت كل مجموعة في زاوية، كما انفض الصف على مدخل القاعة وذهب أصحاب الزواج للعشاء وجاء زميلي أبو عمر ليشاركنا جلستنا وحديثنا عن المها العربي.
جلس أبو عمر عن يميني وأبو معتوق عن يساري واثنان ممن بقي من جماعة الأخير (أبو معتوق) أمامنا، وبدأ أبو عمر الحديث وقال ممازحاً: عسى ما خَبْلْ بك أبو معتوق، فجاء الرد سريعاً من أبو معتوق قائلاً: أنا ولا شيء قدام الذين أفنوا المها العربي من البرية، ثم التفت إلي وسألني.. لكن كيف بدأت عملية إنقاذ ما تبقى من المها العربي؟.
اعتدلت في جلستي وبدأت الحديث قائلاً: بعد البحث العلمي الذي قدمه تالوت عام 1962م بدأ نقاش في أروقة المنظمات الدولية لجمع ما تبقى من أفراد المها العربي بالبرية، وكان للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) دور كبير في دعم هذه الحملات وكانت أول حملة عالمية عام 1962م لإنقاذ ما تبقى من المها العربي من منطقة الربع الخالي، وتركز هدف الحملة إلى إمساك ما تبقى من المها العربي بالبرية لإدخاله في برامج إكثار للحفاظ على النوع، وللعلم والتاريخ فقد دعمت المملكة تلك الحملة حيث تم إمساك ثلاثة ذكور وأنثى، مات أحد الذكور خلال عملية المطاردة، بعدها أضيف للقطيع أنثى من عمان وأخرى من الكويت وأربعة رؤوس من مزرعة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبدالعزيز، وقد ذكر جرين-وود عام 1967م أن هذه المجموعة هي من كونت النواة لما عرف فيما بعد بالقطيع العالمي والذي أدخل في برنامج الإكثار بحديقة ساندياغو بالولايات المتحدة الأمريكية ليكون أحد أهم القطعان التي بدأت بها برامج التوطين للمها العربي في مناطق انتشاره، وقد صدر أول تقييم علمي لوضع المها العربي من الاتحاد العالمي لصون الطبيعة عام 1965م، مشيراً أنه من ضمن الأنواع النادرة على مستوى العالم، وبعد ذلك بخمس سنوات أي في عام 1970م أعلن نفس الاتحاد رسمياً انقراض المها العربي من مناطق انتشاره بالجزيرة العربية، ولم يبق من هذا النوع سوى مجموعات في حدائق الحيوان وكذلك ضمن مجموعات خاصة لأفراد من العوائل الحاكمة بالمنطقة، والتي كانت الداعم الأساسي لعودة قطعان المها للبرية.
توقفت عن الحديث ونظرت للساعة فوجدتها قد تجاوزت الثانية صباحا، فتلفّت حولي فلم يكن هناك من المعازيم سوى القليل الذين كانوا ينتظرون عوائلهم، وكان أبو معتوق وأبو عمر ينظران إليَّ ولسان حالهما يقول: بدري يا أبو فيصل تو الناس، لم أنتظر طويلاً حتى جاء صوت أبو عمر يقول «يا أبو فيصل.. وراك.. كمل السالفة ترى شوقتنا نبي نعرف كيف عاد المها العربي للمملكة»؟ نظرت لأبو معتوق وأبو عمر.. وقلت لهم: «يا إخوان الوقت متأخر وأنا لم أعْتَدْ على السهر»، رد علي أبو معتوق سريعاً: «أنت الآن حمستنا.. ومشيتنا معاك حتى انقرض المها واختفى، وما عَرّفْتَنا كيف عاد مرة ثانية لبراري المملكة».
هنا رأيتها فرصة لدعوة أخي أبو عمر وصاحبه أبو معتوق للقيام بزيارة لي بالطائف، فقلت لهما إيش رأيكم يا جماعة تطلعوا عندي الطائف وأرتب لكم زيارة لمركز الأمير سعود الفيصل لأبحاث الحياة الفطرية، التابع للهيئة السعودية للحياة الفطرية لتشاهدوا على الطبيعة برنامج المها العربي، وأكمل لكم السالفة، طبعا هذا الكلام ما عجب أخونا أبو معتوق فقال وهو غير مرتاح لتوقفي عن استكمال حديثي المها العربي فقال: «الله يهديك يا أبو فيصل ولعتنا بالمها، ومشيتنا معاك طوال سهرتنا الليلة، لكن تدري أنا موافق وسوف نكون عندك بالطائف صباح يوم الخميس القادم»، ثم نظر لأبو عمر وغير نبرة صوته وقال بشيء من التحدي «وأبو عمر معايا.. تمام يا أبو عمر..» رد عليه أخونا أبو عمر «حاضر.. حاضر.. ما دام صَامِلْ مُصّمْلْ.. توكلنا على الله».
يتبع..